فرنسا تبكي ضحاياها : ذكرى تفجيرات باريس
في هذا اليوم، الثالث عشر نوفمبر، تستذكر فرنسا أرواح ضحاياها الذين ماتوا في مسرح ” الباتاكلان” في قلب باريس. وعلى حافات المطاعم الباريسية، وفي قلب ” استاد دو فرانس” Stade de France …
منذ عامين بالتمام والكمال وقعت هذه التفجيرات التي لم تعرف فرنسا مثيلا لها في تاريخها، من حيث دقة العمليات ، وقوة تنسيقها ، وكثرة أعداد القتلى والجرحى، والمصدومين نفسيا …
وقعت هذه التفجيرات على ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى ، عبارة عن انفجار انتحاري أمام مدخل ” ستاد دو فرانس”؛ حيث كان الملعب يحتضن مباراة كرم قدم بين فرنسا وألمانيا، حضرها الآلاف من المشاهدين ، كان من بينهم رئيس الجمهورية آنذاك، فرانسوا هولاند، وبعض من وزرائه.
أراد الإنتحاري الدخول إلى الملعب، لكن الحراس منعوه من ذلك، ففجر نفسه عند المدخل. مثلت هذه العملية أول تفجير انتحاري تعرفه فرنسا.. بالتزامن مع هذه العملية، حصلت عدة هجمات غير بعيد من “استاد دو فرانس” في الدائرة العاشرة والحادية عشر. حيث أطلق ثلاثة رجال النار على الناس المتجمهرين في المقاهي ، والمطاعم المنتشرة في الشوارع. اثنان من المهاجمين تمكنا من الفرار، والآخر فجَّر نفسه بحزام ناسف أمام واجهة أحد المطاعم.
أما المرحلة الأخيرة من الهجمات، فكانت في مسرح الباتكلانBataclan ، حيث كان يتجمهر في قاعة المسرح أكثر من ألف وخمسمائة شخص لمشاهدة حفلة موسيقية، وقد وقع في هذه القاعة أكبر عدد من القتلى والجرحى.لم تعرفه فرنسا في تاريخها المعاصر.
تفاصيل العملية
ثلاثة رجال ، مدججين بأسحلة أوتوماتيكية تُستعمل عادة في الحروب، ومتمنطقين بأحزمة ناسفة، يقتحمون قاعة المسرح، حيث كان الجمهور يستمع إلى فرقة موسيقية قادمة من أمريكا تسمى فرقة ” نسور الموت المعدني”Eagles of Death Metal . ولعل اسمها كان عامل شؤم في تلك الليلة الليلاء.
فجأة ، وأثناء أصوات موسيقى الروك الصاخبة والصراخ الحماسي للجمهور، أنطلقت أولى العيارات المدفعية مختلطة مع أصوات القيثارات الكهربائية…
أثناء إطلاق النار ، كان المهاجمون يصيحون في الجمهور قائلين أن هذا العمل هو انتقام من فرنسا بسبب تدخلها في سوريا والعراق. بعد ذلك بساعات ، أعلنت “داعش” مسؤوليتها عن التفجيرات التي وصفتها بـ” غزوة باريس المباركة”. جاء ذلك في رسالة لداعش قالت فيها أن “أسودها” هم من نفذوا عملية الباتكلان حيث ” كان يتجمهر بعض عباد الأصنام في أعياد الفسق”.
” بل إنه عمل حربي ، ارتكبه جيش إرهابي يدعى داعش” ، هكذا رد عليهم رئيس الجمهورية الفرنسية في تصريح له بعيد المقتلة.
وعلى إثر هذه العمليات الإنتحارية، فقد قام جيش بلجيكا ، الدولة المجاورة لفرنسا، بتطويق كامل لمنطقة بروكسل مدة خمسة أيام ، من يوم 21 نوفمبر إلى 26، تحسبا لهجومات مماثلة قد يقوم بها أعضاء من داعش.
وحسب البيان الرسمي للدولة الفرنسية، فقد مات 130 شخصا، وجرح 413 آخرين ، من بينهم 99 في الحالات المستعجلة القصوى. ولم تعرف فرنسا هذا العدد من الضحايا إلا في الحرب العالمية الثانية.
وكان من نتائج هذه التفجيرات، أنْ أعلنت الدولة الفرنسية حالة الطوارئ في سائر أنحاء فرنسا. واستمرت حالة الطوارئ هذه مدة عامين كاملين. وكان آخر عهد لفرنسا بحالة الطوارئ أيام حربها على الجزائر. !
جنسيات الضحايا
إضافة إلى الضحايا الفرنسيين، فقد كان مسرح الباتكلان يحوى العديد من الأشخاص الأجانب، منهم جزائريان، ومغربي، و مصري، وأمريكي، وتونسيان . لكن الأغلبية الساحقة كانت من الفرنسيين.
وقد أعلن الإليزيه ووزارة الصحة الفرنسية أن كل الأطفال الأيتام ، الذين خلفهم الضحايا وراءهم، سيُعتبَرون ” أجنحة للأمة الفرنسيةPupilles de la Nation ” ، بمعنى أن الدولة ستتكفل بهم وبمعاشهم طيلة الحياة. وهذا النظام ، أي ” نظام أجنحة الأمة” هو نظام خاص لا ينطبق عادة إلا على أبناء الجنود الفرنسيين الذين ماتوا في الحروب من أجل فرنسا.
وفي تلك الليلة، بدت الحكومة الفرنسية مرتبكة جدا، ولاحظ المراقبون تناقض تصريحات بعض المسؤولين في الحكومة… وعندما زار وزير الداخلية آنذاك، برناد كازنوف، مقر الجريمة تعالت عليه أصوات الأشخاص من فوق شرفات الشقق الباريسية ، مطالبين إياه بالإستقالة. وبعضهم كان يصرخ في وجه الوزير أمام كاميرات التليفزيون قائلين ” ياللعار عليكم ” Honte sur vous
لماذا مسرح الباتكلان؟
الباتكلان هي قاعة للحفلات الباريسية، مصممة على الطراز الصيني.. تم تشييدها في سنة 1864 من طرف المهندس المعماري شارل دوفال Charles DUVAL. تقع القاعة على شارع ” بولفارد فولتير” ، رقم 50. في الدائرة الحادية عشر .
ويعود اسم ” الباتاكلان” Bataclan ، إلى أغنية مسرحية كتبها يهودي ألماني اسمه ” يعقوب أوفانباخ” Offenbach Jacob (ت.1880). ويُعتبر الباتاكلان أحد المآثر التاريخية والثقافية لباريس.
يتميز ” الباتكلان” أساسا بموقعه في مركز باريس، وبحيويته، وقربه من شتى المطاعم والمقاهي الباريزية ، وباختلاف أجناس الناس الذين يسكنون في حيه. يعتبره بعض المراقبين معْلما من معالم الثراء الثقافي والإنساني الذي تعرفه العاصمة الفرنسية.
لكنه يتميز أيضا بكونه مسرحا نشطا لدعم الجيش الإسرائيلي، فقد ذكرت المواقع الفرنسية أن القاعة تحتضن كل سنة حفلات تبرعية لصالح جيش إسرائيل. وترعى هذه التبرعات جمعية يهودية تسمى “ميجدال”Migdal . بل شهدت إحدى هذه الحفلات التبرعية في سنة 2007 ، مظاهرة عنيفة نظمتها إحدى الجمعيات الحقوقية المناضلة من أجل فلسطين.
هذا ، وقد كان هوج جيس Hughes jesse رئيس الفرقة الموسيقية التي كانت تغني تلك الليلة في القاعة، أعلن أنه ” يدعم إسرائيل بكل قوته” ، وذلك في تصريح له ، يوم 15 فبراير 2016، لقناة إي تيليitélé الفرنسية . كما يُشتهر عنه حفلاته في إسرائيل. وتحمّسه المفرط للرئيسي الأميركي دونالد ترامب، وجورج بوش الإبن.
وقد شهد مسرح الباتكلان، قبل أحداث 13 نوفمبر 2015، عدة تهديدات، منها ما أوردته صحيفة لوفيجارو – في عددها الألكتروني ليوم 20 فبراير 2011- من أن رجلا يدعى خالد مصطفى ، أحد أعضاء القاعدة في فلسطين، كان اعترف سنة 2011 أنه ينوي عمل تفجير كبير في فرنسا ضد مسرح الباتاكلان، لأن ملّاكه – وفقا لـفيجارو- من اليهود. وتضيف الصحيفة أنه ” في سنة 2007 ، حصلت عدة تهديدات لمسرح الباتكلان، بسبب احتضانه آنذاك لحفلة تبرع قام بها يهود لصالح شرطة الحدود الإسرائيلية” .
خلال عشرة أيام ، بعد التفجيرات، شهدت الجاليات المسلمة في فرنسا عدة أنواع من الإعتداءات النفسية والجسدية، بل تعدى الأمر إلى تشويه واجهات المساجد برسومات وبرؤوس الخنازير، في عدة مناطق من فرنسا.
وقد ذكرت وزارة الداخلية الفرنسية أن 35 حالة اعتداء تعرض لها أفراد مسلمون في فرنسا.