قانون ا لحاضنات ، ح3
نتائج ومقتضيات تطبيق قانون الحاضنات
…. لو افترضنا مثلا أن مسلمة ما، تحضن الأطفال في بيتها مقابل أجر و جاء مثلا أي والد لأخذ ولده، فالقانون في هذه الحالة يجبر المرأة المسلمة أن تبقى سافرة في بيتها أمام هذا الرجل الأجنبي حتى يستلم ابنه وينصرف لحاله … مما قد يشكل إحراجا كبيرا للمرأة المتدينة، وهدرا لكرامتها وخرقا لمعتقدها الديني.
من جهة أخرى، يقتضي القانون كذلك أن تُمنع أي امرأة متحجبة من ارتداء الحجاب داخل دور حضانة الأطفال أو أمام أبوابها أو حتى الاقتراب منها إذا هي جاءت لأخذ ابنها أو بنتها من مقر الحضانة … ويقتضي القانون أيضا أن تُمنع المرأة المتحجبة من لبس الحجاب في الأماكن العامة إن كانت مرافقة لأي طفل صغير – وهذه سابقة فريدة من نوعها- وكأن الحجاب أصبح مسألة تخص البالغين لا يحق لأي طفل أن يراه بعينيه…
فمثلا عندما تخرج المرأة من بيتها متحجبة وهي ترافق طفلا تحضنه، فإنها ستغرم مبلغا من المال وتُسحب منها رخصة العمل وقد تُجَرّ إلى محكمة العدالة ؛ لأنها أخلت بالقانون…
وهذا يعنى أن هذا القانون ما هو إلا بداية منع جذري للبس الحجاب في الأماكن العامة …
ونحن نعلم أنه حتى الآن لا يَحظر أي قانون لبس الحجاب في الأماكن العامة إلا ما كان من تحريمه على المراهقات المسلمات في ساحات المدارس وداخل الأقسام فقط…
ويعتقد بعض النابهين أن من أهداف هذا القانون أن يضع حدا لأي نوع من أنواع التعاطف الذي قد ينشأ في نفوس الأطفال الصغار تجاه الحاضنات المتحجبات … لأن الطفل أثناء نموه ، حينما يتعود بشكل منتظم على حاضنته التي تلبس الحجاب سوف ينشأ لديه نوع من التعاطف معها، ومع كبره سوف تنمو لديه هذه العاطفة مما يؤدي إلى خلق جيل من الشباب الفرنسيين المتعاطفين مع الحجاب الإسلامي وهذا ما لا يريده النواب والساسة المشرِّعون.
على صعيد آخر، يُشتهر إعلاميا في فرنسا أن الحاضنات المسلمات يتميزن بمهنيتهن وتفانيهن في العمل. وكدليل على ذلك فقد تُوِّجت مسلمة من أصل فرنسي اسمها إيزابيل كاتيو isabelle CATIAU كأحسن حاضنة في فرنسا. فتأتي سلطة النواب لتُقصيهن وتحرمهن من أبسط حقوقهن في ممارسة العمل. ثم بعد ذلك،تستمر الدولة في التغني والافتخار باحترامها لحقوق المرأة. إنه لتناقض عجيب وتلاعب فاضح بالمبادئ الكبرى.
ظروف مناقشة القانون
كنت اطلعت على مناقشة هذا القانون في مجلس الشيوخ ولاحظت أنه لم يحضره إلا عدد قليل من الشيوخ ، ويفسَّر ذلك بكون القانون نفسه أثار الكثير من التساؤلات لدرجة أن بعض البرلمانيين لم يسمحوا لأنفسهم بحضور الجلسة التي نوقش فيها…
رأيت وزير الدفاع الفرنسي السابق Alain Richard وهو يساري اشتراكي يدافع بحماس عن هذا القانون، ورأيت سيدة فرنسية ذات ملامح عربية تجلس في القاعة وتصفق إثر التصويت على كل مادة من مواد القانون… لكني لم أستطع التعرف على اسمها أو العثور على اسم بلدها الأصلي …
وغدوة اجتماع الشيوخ لمناقشة القانون هبّت تظاهرات من الجاليات المسلمة أمام مجلس الشيوخ ضد مشروع القانون. أحرج التظاهرُ الشيوخَ المجتمعين فاستدعوا الشرطة فجاءت على الفور وقمعت بشكل عنيف كل المتظاهرين واقتادتهم إلى مقراتها للتحقيق معهم، ثم قدمتهم للعدالة لتتم محاكمتهم بتهمة إثارة الشغب والإخلال بالأمن العام.
تابعت شخصيا مناقشة الشيوخ لهذا المشروع وخلال مداولاتهم كان واضحا جدا في نقاشاتهم وعباراتهم أنهم يتكلمون عن الحجاب الإسلامي. وكانوا كلهم يتفقون على فكرة واحدة مفادها أنهم يعتبرون الحجاب الإسلامي رمزا دعائيا لدين معين، و أنه يجسد نوعا من أنواع التطرف ينبغي الإحتواء عليه ومحاربته بشتى الوسائل بما فيها سن القوانين والتشريعات وفرضها على الناس وتغريمهم بالأموال إن لم يرضخوا لها.
إن اعتبار الحجاب رمزا دعائيا يدل بوضوح على قصر النظر وغبش الرؤية والسذاجة والسطحية في التفكير لدى المشرّعين الفرنسيين. فكم من المسلمات يلبسن الحجاب لسبب واحد هو : أنهن يردن ببساطة أن يحترمن تعاليم دينهن ولا يبتغين بذلك أي دعاية كما يظن السذج من النواب المشرِّعين.
في يوم السابع عشر من يناير 2012 عند الساعة الحادية عشر ليلا ، وبعد سلسلة من المناقشات والمداولات بين الشيوخ، تمت المصادقة في مجلس الشيوخ على مشروع قانون منع الحاضنات من الحجاب أثناء العمل.
وبالجملة ، فقد احتوى القانون الذي صودق عليه على ثلاث مواد ونصَّ صراحة على أن أي مسلمة متحجبة يجب عليها أن تعلن في عقد عملها عن دينها و عن رأيها السياسي قبل توقيع عقد العمل. وهذه سابقة فريدة من نوعها في تاريخ التشريعات في الجمهورية الفرنسية.
وبقيت أسئلة كثيرة حول هذا القانون معلقة دون إجابة مثل هذا السؤال :
إذا كانت المعتقدات الدينية والفلسفية أمورا فردية خاصة، تتعلق بالحياة الشخصية للناس فكيف يُطلب من إنسان أن يكشف عن معتقده ورؤيته الدينية عند توقيعه لعقد عمل؟ ألا يضع هذا القانون الحجر الأساس لبداية عهد تمييزي جديد، يميز الناس ويقسمهم حسب انتماءاتهم الدينية والفلسفية؟
بعد التصويت على مشروع القانون، انتقل المشروع من مجلس الشيوخ إلى غرفة الجمعية الوطنية لتتم موافقة النواب عليه ، وكان قائد النواب في هذه الحملة على الحجاب هو نائب يهودي يدعى Roger-Gérard Schwartzenberg ، وتم التصويت على هذا القانون في الجمعية الوطنية دون أي صعوبات.