هيأة أعمال الإسلام، ح 2

أعضاء مجلس إدارة المؤسسة :

 يتكون مجلس إدارة مؤسسة FOIF  من أعضاء تدفع أجورهم الدولة الفرنسية وبعض الشركات الخاصة.. ويتكون الأعضاء من عضوين تابعين للشركات التي تقدم مساهمات مالية مثل شركة اليهودي سرج داسو، ومن ثلاثة أعضاء من وزارات الداخلية، والتعليم، والثقافة، ورئيس مجلس الديانة الإسلامية CFCM.هؤلاء الأعضاء الستة يقومون بتعيين خمسة شخصيات من بينهم رئيس المؤسسة.

وقد تم بالفعل تعيين رئيس للمؤسسة، وهو وزير الداخلية الأسبق “جان بيير شفنماه “Jean Pierre Chevènement . وُلد سنة 1939 م. ويرجع أصله إلى عائلة يهودية تدعى شوينمان Shwennemann، وتمت فرنسة اسمه في القرن الثامن عشر إلى ” شفنماه”Chevènement  .

يُشتهر عنه اعتراضه على مشاركة فرنسا في حرب الخليج مطلع التسعينات، واستقالته من منصب وزير الدفاع في حكومة  الرئيس الفرنسي الراحل “فرانسوا ميتران”. هذه الإستقالة أثارت إعجاب الكثير من المسلمين في فرنسا في تلك الفترة، وبقيت محفورة في الذاكرة الجمعوية لمسلمي فرنسا.. ولعل هذا أحد دواعي تعيينه على مؤسسة تهتم بشؤون المسلمين.

يمتلك “شفنماه” خبرة عميقة بالإسلام الفرنسي، وبالمسلمين بشكل عام. فقد كان حاكما فرنسيا في مدينة وهران الجزائرية، أيام المجزرة الشهيرة التي ارتكبها الجيش الفرنسي يوم 5 يوليو 1962م. والتي راح ضحيتها أكثر من ثمان مائة جزائري.

أثار تعيينه على مؤسسة FOIF ضجة سياسية وإعلامية كبيرة، وتساءل الكثير من الساسة الفرنسيين عن مغزى تعيين فرنسي غير مسلم على مؤسسة تهتم بشؤون الإسلام. وقال وزير الداخلية الأسبق بريس أورتوفو Brice Hortefeux   أن تعيين شخص غير مسلم على مؤسسة إسلامية يشابه تعيين بوذي على الكنيسة النصرانية.

والحق أن تعيين “جان بيير شنفماه” على هذه المؤسسة هو تعيين شاذ وغير مفهوم ، وقل إن شئت أنه نوع من الوصاية على الإسلام. ثم إنه  أثار اشمئزاز كل المسلمين، الذين لا يرون أنفسهم أصلا معنيين بهذه المؤسسة. لكن إرادة الدولة وتدخلها في شؤون الإسلام، ونفوذ المال اليهودي أيضا، أدت كلها إلى ما هو مشاهَد.

أما أعضاء مجلس الإدارة الآخرين فمنهم شخصيات ذات أصول عربية وهم :

 

طاهر بن جلون:

قَصاص ورسام مغربي وُلد في فاس سنة 1944، درس سنواته الأولى باللغة الفرنسية. ثم تخصص في الفلسفة ودرّسها باللغة الفرنسية في جامعة الرباط إلى أن دخلت سنة 1971 حيث قرر المغرب تعريب دراسة الفلسفة، حينها غادر  الطاهر بن جلون  مغاضبا إلى فرنسا ليستقر به فيها المقام..

كتب عدة روايات بالفرنسية..  أحبّته فرنسا وأحبها ..و أعطته عدة جوائز من أهمها وسام جوقة الشرف الذي لا تحصل عليه إلا الخاصة من الملإ.. فلا غرو أن يُعيَّن في مجلس إدارةِ FOIF  التي صنعتها فرنسا على عينيها ، لتتحكم في مصير المسلمين.

ينتقد عليه بعض المثقفين العرب شدة خنوعه للغرب، وازدرائه للثورات العربية والسخرية منها، وانتهازيته ، واكتسابه الأموال على حساب مصائر الشعوب المقهورة.

وبالجملة، فهو غير معروف من مسلمي فرنسا، و لا علاقة له بالإسلام  لا من قريب ولا من بعيد، إلا ما كان من أصله المغربي .. وهيهات ما كُل المنازل رامةٌ ** ولا كل بيضاء الجبين عروبُ

كامل قبطان :

عضو آخر في مجلس إدارة FOIF . وهو عميد مسجد مدينة ليون Lyon  . وُلد منتصف الأربعينات في الجزائر. دخل فرنسا سنة 1968، بُعيد استقلال الجزائر. أسس أول جمعية إسلامية فرنسية سنة 1969م. وكان من أوائل المؤسسين لمسجد ليون، أواخر السبعينات.

لعب دورا كبيرا من أجل تثبيت الإسلام في بيئة معادية. وللأمانة، فإنه يُحسَب له النهوض بأعباء الدعوة في تلك الفترة..

لكن يُنتقد على مسجده تأثير بعض الدول الأجنبية عليه كالسعودية والجزائر، و حتى تونس. فقد حضر تدشين المسجد سنة 1994 سفير السعودية ، مما يعني أنه كان ثمت تمويل أجنبي سعودي، لكن لم يُكشف عن حجمه .. ثم إن إمام المسجد تونسي مبتعث من طرف الحكومة التونسية ، وكان من قبل مفتشا للأئمة في تونس أيام حكم الطاغية بن علي.. وتدفع له القنصلية التونسية في ليون راتبه الشهري. كل ذلك يجعل إمامة المسجد واستقلالية خطبه ودروسه عرضة لأهواء الحكومات المختلفة. وتلك للأسف ظاهرة شائعة في مساجد فرنسا التي تتدخل فيها القنصليات والسفارات الأجنبية.. كما أن للدولة الفرنسية تدخل كبير في هذا المسجد، وتمويله؛ فقد ضخت منذ فترة قريبة ما يقرب من أربعة ملايين يورو (موزعة بين الدولة والمجموعات المحلية لمدينة ليون) من أجل بناء ملحق بالمسجد يسمى بـ ” المعهد الفرنسي للحضارة الإسلامية”. ويرأس هذا المعهد كامل قبطان أيضا. وتذكر بعض المصادر أن الجزائر والسعودية وعدتا بالتبرع للمعهد بمليون يورو لكل منهما. كما أن مؤسسة FOIF الجديدة سوف تتبرع لإكمال بناء هذا المعهد بما لا يقل عن خمسمائة ألف يورو.. كل هذه الأموال والتبرعات تؤدي إلى الحد من استقلالية المسجد ومصداقيته ، وتجعل من عميده “كامل قبطان” أداة طيعة في أيدي المتبرعين.

وكأني  بقائل يقول ما العيب في تمويل بيوت الله من طرف الدول الإسلامية وغير الإسلامية؟ فأجيب أن نتيجة هذا التبرع ستكون في أن كل دولة ستفرض شروطها، وآراءها في المسجد وفي  مَن سيقدم الدروس ،  وفي من سيعطي الفتاوى ، وعلى مذهب مَن …

بل إن مجلس إدارة المعهد التابع للمسجد يحتوي حاليا على لجنة تسمى “لجنة المراقبة”، تقوم بمتابعة بناء المعهد وتسييره، ومراقبة البرامج التعليمية التي تدرّس فيه، وكذا مراقبة مَن يعمل فيه ، و ما هو مذهبه وما هي طائفته .. وهذه اللجنة  مكونة من أعضاء كلهم ينتمي إلى مؤسسة متبرعة (أعضاء من بلدية مدينة ليون، و عضو من الدولة ، وأعضاء من دول عربية أخرى كالسعودية والجزائر )… وكل عضو سيسهر على فرض رؤيته الخاصة، ومذهبه الخاص في تسيير شؤون المسجد… ففرنسا لا تريد إلا إسلاما مائعا فارغا من محتواه، والسعودية لا تريد إلا إسلاما وهابيا حنبليا، والجزائر لا تريد  إلا إسلاما مالكيا سلطويا على طريقة الجنرالات الحاكمين في الجزائر..وهكذا، يصبح المسجد ريشة في مهب أهواء الحكومات المتشاكسة .. حينها يتسيس بيت الله، فتختفي الطمأنينة والهدوء والسكينة من جوانبه، ويصبح أداة سياسية في أيدي العابثين. وعليه، فإني أومن إيمانا عميقا بضرورة ترك المساجد وتمويلها للمسلمين أنفسهم دون أي تدخل من الدول. فإن التجربة أظهرت أن كثيرا من المساجد هنا في فرنسا بُنيت بسلاسة وهدوء من خلال تبرعات من المصلين ومن فاعلي الخير من كل البلدان الإسلامية، لكن لم تكن فيها أي تدخلات من الدول. كما أن التجربة أظهرت أيضا أن كل المساجد التي تغيب عنها تبرعات الدول تكون غالبا مساجد هادئة ، بعيدة عن التجاذبات المذهبية والطائفية والسياسية التي طالما مزقت جسد المسلمين في هذه البلاد.

في المقابل، أثبتت التجربة أيضا أن أي مسجد حصل على تمويل رسمي خارجي، أو داخلي من فرنسا، فإنه يتعرض لضغوطات شتى. وقد حصل ذلك فعلا، في مدينة أبيني Epniey قرب باريس، حيث أعطى عمدة البلدية دعما ماديا للجمعية المسيرة للمسجد ، ثم فرض على المصلين إماما مواليا له، لا يريده المسلمون. وثارت عندها فتنة شعواء بين المسلمين كادت أن تؤدي إلى اختلال الأمن العام.

أنور كبيباش

من أصل مغربي، مهندس معلوماتي، لا علاقة له بشؤون الإسلام .. سبق الحديث عنه في موضوع مجلس الـCFCM..

غالب بن شيخ

من أصل جزائري، وُلد سنة 1960 في مدينة “جدَّه” بالسعودية.. وهو علماني شرس. سيأتي الحديث عنه في فقرة لاحقة تتكلم عن الشخصيات المناوئة للحضور الإسلامي في فرنسا.

وبالجملة ، فإن إلقاء نظرة سريعة على  أعضاء مجلس إدارة مؤسسة أعمال الإسلام الجديدة FOIF ، يجعل الناظر يفهم بسهولة أن هذه المؤسسة ليست مهيأة للقيام بأعباء دين الإسلام الحق، بل يراد منها أن تصنع إسلاما مائعا كما تريده فرنسا وتهواه. فنسأل الله أن يبرم لمسلمي فرنسا أمر رشد، حتى يقوم منهم من ينهض بإخلاص وتجرد لهذا الدين العظيم، بعيدا عن وزارة الداخلية ووكلائها من سفهاء المسلمين و قنصليات وسفارات.

و إضافة إلى مجلس الإدارة الآنف الذكر، تضم المؤسسة الجديدة ، مجلسا آخر يسمى مجلس التوجيه Conseil d’orientation ويضطلع بتقييم المشاريع التي من الممكن للمؤسسة دعمها، وتمويلها ورعايتها.

يضم مجلس التوجيه 22 عضوا، ويرأسه المدعو ” دليل بوبكر” عميد مسجد باريس. وقد سبق الكلام عن الرجل. ويحتوي هذا المجلس على ستة ممثلين عن الفيدراليات الست التي تمثّل غالبية المسلمين في فرنسا، وهي فيدراليات موزعة بين المغرب و الجزائر وتركيا وبعض مناطق ماوراء البحار التابعة لفرنسا كجزيرة “المايوت” ذات الأغلبية المسلمة. هذا إضافة إلى خمس عشرة شخصية سيتم تعيينها في هذا المجلس .. وسوف يتم أيضا تعيين أعضاء ممثلين عن المؤسسات الثقافية كالمتاحف والمعاهد المختصة بالثقافة الإسلامية مثل متحف حضارات أوروبا والمتوسطي (MuCEM ) ومثل معهد العالم العربي.. لكن لم يتم – حتى كتابة هذه السطور-  الإعلان عن أي اسم.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *