المدارس الإسلامية الخاصة، في فرنسا : الواقع والآفاق

لا تزال المدارس العمومية في فرنسا هي الوجهة المفضلة لكل آباء التلاميذ ، لتدريسهم فيها وتلقينهم مبادئ المعرفة. لكن القطاع الخاص، الديني منه بالذات، يشهد تطورا كبيرا، وخاصة في السنوات الأخيرة، مع ازدياد عدد الجاليات الأجنبية المهاجرة إلى فرنسا.

ففيما يخص الديانة الكاثوليكية ، فإن  المدارس الخاصة التابعة لها تقدر بـ 9500 مدرسة كاثوليكية، واليهود لديهم ما يناهز 300 مدرسة ، في حين أن المسلمين لهم ثلاثين مدرسة حرة فقط، أغلبها تعاني من تجاهل الدولة وحذرها إزاء كل ماله صلة بالإسلام من قريب أو من بعيد.

وتحتل المدارس المسيحية الحرة كل قطاع التعليم الخاص في فرنسا، ففيها تُدرّس مناهج وزارة التربية الوطنية، إضافة إلى بعض التعاليم الدينية المتعلقة بالكاثوليكية. وقد يُفسَّر اتساع نمو هذه المدارس بارتباط الكنيسة والدولة منذ ما قبل قانون العلمانية الصادر  سنة 1905 ، الذي أعلنت بموجبه الدولة الفرنسية تبنيها لنظام علماني شامل ، في كل القطاعات ، خاصة التربوية منها.

المدارس الحرة الإسلامية تحاول النهوض

أما عن المدارس الإسلامية ،  فقد أنشئت أول مدرسة إسلامية في فرنسا ، سنة 1947 في منطقة لا رينيون La Réunion ، وهي مقاطعة من مقاطعات جزر ما وراء البحار التابعة لفرنسا. كانت هذه المدرسة في بداية أمرها تدرِّس برنامجا دينيا مكتملا، إضافة إلى برنامج وزارة التربية الوطنية الفرنسية.

واليوم، لا يزال نمو المدارس الحرة الإسلامية في فرنسا يبرح مكانه، نظرا لضعف الإمكانيات وقلة الوسائل، ولنقص الكادر التربوي المختص، ونظرا أيضا لقلة الرعاية التي توليها الدول الإسلامية لأبناء جالياتها في المهجر.

غالبا ما يلجأ مسؤولو المدارس الإسلامية الخاصة إلى التمويل الحر ، من خلال اللجوء إلى المصلين في المساجد بعد صلوات الجمعات، وفي صلاة العيدين وخلال شهر رمضان، وغيره من المواسم الدينية. ولا شك أن الكثير من الأموال تُجنى في هذه المواسم لكن نقص الرقابة والمتابعة يجعل من العسير معرفة ما إذا كانت هذه الأموال تُصرف فعلا في مشاريع بناء مدارس أم لأغراض أخرى.

من بين الثلاثين مدرسة إسلامية حرة في فرنسا، توجد ثلاث منها فقط تعمل وفق اتفاق مسبق مع الدولة الفرنسية، وتدرِّس مناهج التربية الوطنية الفرنسية ، ويتردد عليها مفتشو الوزارة في كل فترة ، للسهر على تطبيق المناهج المقررة من طرف الدولة.

تعتبر هذه المدارس الثلاثة من أجود المدارس الحرة الإسلامية… بل حصلت إحداها، وهي مدرسة ابن سينا، على وسام أحسن ثانوية  حرة في فرنسا، لسنة 2013.

وتأمل الكثير من المدارس الإسلامية الحرة  أن تحصل على اتفاق مع الدولة ، تستطيع من خلاله ان تقوم هذه الأخيرة بدفع رواتب الِأساتذة ، مما يسمح للمدرسة بالنهوض بسرعة… لكن الدولة، ولأسباب معروفة تتعلق بالإسلام كدين، غير متحمسة للمدارس الحرة ذات الصبغة الإسلامية.

هذا، وقد لجأت الكثير من المدارس الحرة المسلمة إلى تكاتف الجهود من أجل تشكيل وحدة واحدة مما يجعل الدولة تضطر إلى الإستماع لها ومحاولة الإشتراك معها… وبالفعل فقد تأسست في سنة 2014  اتحادية جديدة، تسمى الفيدرالية الوطنية للتعليم المسلم الحر  FNEM ، وتقوم هذه الإتحادية بدور لا بأس من أجل تحسيس الدولة وتشجيعها على عقد الإتفاقات مع المدارس الحرة المسلمة.

يشار إلى أن  حاجة المسلمين إلى المدارس الحرة ازدادت بشكل كبير بعد إصدار الدولة الفرنسية لقانون مارس 2004 الذي يجبر على البنات أن ينزعن خمرهن عند دخول المدارس العمومية، فاضطر الكثير من آباء التلاميذ إلى توجيه بناتهم إلى القطاع الخاص، الذي لا ينطبق عليه قانون حظر الحجاب لـ 2004. ويُرجِع بعض المحللين ، ازدياد الحاجة إلى المدارس الحرة، إلى ظهور جيل جديد فرنسي مسلم ، متعلم، ينتمي للطبقة الوسطى ويريد لأبنائه أن يحصلوا على تعليم متدين بالموازاة مع التعليم الأساسي الذي توفره الدولة…

على كل حال، لا تزال المدارس الحرة الإسلامية في فرنسا، في طورها الجنييني، وتحتاج الكثير من الجهود والسخاء من طرف كافة المحسنين،وخاصة من رجال الأعمال العرب. ثم إن المهاجرين المسلمين هنا يعولون كثيرا على أصحاب رؤوس الأموال من إخوانهم في كافة البلدان الإسلامية.

 

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *