قانون حظر الحجاب ، حلقة 3

التصويت على القانون

 

في شهر مارس من سنة 2004 صدر القانون المذكور تحت رقم L141-5-1 من القانون التربوي Code de l’éducation  ، وتقول  المادة  الأولى منه :

(في المدارس والإعداديات والثانويات العمومية، يُحظر لبس أي رمز أو زي ديني يُظهر التلاميذُ من خلاله انتماءاتهم الدينية)

القراءة الأولية للفقرة السابقة تظهر جليا  أن الحجاب الإسلامي هو المستهدف. وإلا فمتى كان أبناء الفرنسيين يرتدون الصليب على صدورهم، ومتى كان أبناء اليهود يضعون القبعات على رؤوسهم في الشوارع أحرى في قاعات الدرس؟

إن الدين المسيحي في فرنسا لا ظهور له بتاتا في المشهد العام،  وارتداء الصليب غير موجود على الاطلاق إلا ما كان من رجال الدين الذين يضعونه على صدورهم أثناء الحفلات الدينية، أما الناس العاديون فلا يهتمون به إطلاقا،  أحرى طبقة الشباب.

عُرِض القانون على التصويت في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) يوم العاشر فبراير 2004 وصوت عليه 494 نائبا مقابل 36 فقط ضده. أي أنه حصل على الأغلبية الساحقة.

وتبع هذا التصويت في الجمعية الوطنية تصويت آخر على مستوى مجلس الشيوخ. وصدر القانون النهائي تحت رقم  2004-228 يوم 15 مارس 2004. ووقّع عليه رئيس الجمهورية آنذاك جاك شيراك، ونُشر في المجلة الرسمية يومين بعد ذلك أي بتاريخ 17 مارس 2004 . وبدأ تنفيذه ابتداء من السنة الدراسية 2004-2005م.

فأنت ترى إذن أن كل  الأمة الفرنسية ،ممثلة في الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ والحكومة، متواطئة بإجماع على منع المسلمات من لبس زيهن الديني وممارسة دينهن بحرية وسلام.

ويجدر أن نلاحظ أن هذا القانون لم يأت من فراغ ، بل جاء بعد أن لاحظت الحكومة الفرنسية أن ثمت تزايدا كبيرا في أعداد جيل جديد من الشباب المتعلمين ، الحاصلين على شهادات عليا من كبريات الجامعات ومدارس المهندسين والمعاهد الفنية ، وهذا الجيل ينتمي إلى أصول مسلمة وهو يشتاق إلى الرجوع إلى دينه بشكل عملي؛ حينها اقترح بعض  المفكرين من متطرفي العلمانية وضْع قوانين تعرقل مسيرة النجاح لدى هذا الجيل الجديد ، وتحد من الظهور المستمر لبعض الرموز الدينية كالحجاب لدى المرأة ، واللحية لدى الرجل، ومطاعم اللحوم الحلال، ووكالات الأسفار الخاصة بالحج والعمرة وغير

ذلك…

 

مجال تطبيق القانون

 

إن مجال تطبيق “قانون حظر ارتداء الرموز الدينية ” ينحصر فقط على الطلاب والطالبات في المدرسة العمومية. فهو لا يمنع من ارتداء  أي رمز ديني بشكل خفي كأن يكون مستورا في ثنايا اللباس مثلا. كما لا يحظر القانونُ ارتداءَ الحجاب في ساحة المدرسة على الأمهات المتحجبات اللواتي يأتين للمدرسة لاستلام أبنائهن[1].

لكن مجال تطبيق هذا القانون سوف يتسع مع الوقت وسوف تضيق معه الحرية شيئا فشيئا، ففي دجمبر 2007 أعلن مجلس الدولة Conseil d’Etat في فتوى جديدة له في هذا الشأن ، أن قانون الحظر ” يُطبَّق أيضا على أي زي آخر يشبه الزي الديني (مثل الباندانا  [2] أو العمامة السيخية)، أو أي سلوك يشير إلى الإعتقاد الديني للطالب أو الطالبة[3]  ” ولا شك أنهم يشيرون هنا إلى الصلاة التي اعتاد بعض التلاميذ إقامتها انفراديا خارج قاعات الدرس.

 

نتائج تطبيق القانون وسلسلة مضايقات المسلمات

ما إن صدر القانون في شهر مارس من 2004، حتى سارع وكلاء الدولة والمؤسسات العمومية في تنفيذه وتطبيقه على المسلمات على وجه الخصوص، وقد سُجلت حالات تجاوز كثيرة في تطبيق هذا القانون، حيث رُفضت بعض الأمهات المسلمات من الدخول في المدارس لاستلام صغارهن، ومُنعت النساء من الزواج في البلديات ومقرات الحالة المدنية إلا بعد أن ينزعن الحجاب عن رؤوسهن ، واتسع الأمر حتى وصل إلى بعض المؤسسات الخاصة كالبنوك والشركات والجامعات وحتى في الفنادق رغم أن القانون المذكور يختص بالمؤسسات التعليمة العمومية فقط، الإعدادية منها والثانوية لا غير….

واشتد الخناق على المسلمات المتحجبات في تحدّ سافر للمواثيق الدولية المتعلقة بالحريات العامة وبحقوق الإنسان، و في جو من التعتيم المنقطع النظير من قِبل الإعلام والصحافة الحرة.

ولم يتوقف تطبيق القانون عند منع المسلمات من ارتداء الحجاب وحسب، بل تعداه إلى  بروز حالات طرد متكررة في المدارس لبعض البنات المسلمات بحجة أنهن يلبسن فستانا طويلا، أو تنورة طويلة ساترة للساقين. Jupe

و في أحد خطاباتها، أشارت عضوة مجلس الشيوخ  السيدة بومدين – تييري Boumediene-Thierry  إلى الإتساع الغير قانوني والمقلق لحقل تطبيق قانون حظر الحجاب الإسلامي وإلى سوء استعماله من طرف بعض موظفي المؤسسات العمومية، فقالت في خطاب لها في إحدى جلسات مجلس الشيوخ ما نصه :

( أود أن ألفت انتباهكم إلى بعض حالات سوء استعمال هذا القانون من طرف بعض المسؤولين في المؤسسات العمومية، حيث رفض بعض مسؤولي إدارات الحالة المدنية قبول زيجات بعض المواطنات بسبب أن إحدى الشهود تلبس الحجاب، أو بسبب أن العروس تضع حجابا فوق الرأس، رغم أن حجاب العروس يعتبر شائعا في الزيجات الفرنسية التقليدية. ثم إن بعض وكلاء المحافظات يرفضون تجديد بطاقة الإقامة للنساء اللواتي يلبسن الحجاب الإسلامي، خاصة في منطقة سين سان دوني Seine saint Denis رغم أن القانون لا يخوّل لهم ذلك . وإن النائب البرلماني وعمدة مدينة آرجانتي Argenteuil رفض السماح لإحدى النساء بالمشاركة في حفل الحصول على الجنسية بحجة أنها تلبس الحجاب الإسلامي وقد تحجج أن مبدأ العلمانية يحتم على كل أحد أن يتأورب (أي يصبح أوروبيا)، وقد كانت حجج النائب مخالفة تماما للقانون ،ولقد اضطرت السيدة الضحية إلى الإنتظار عاما كاملا ريثما يصدر قرار حكومي بشأن حصولها على الجنسية الفرنسية. وليس قطاع التربية والتعليم بمنأى عن هذه التجاوزات، فقد مُنعت بعض النساء المتحجبات من المشاركة في النشاطات التربية لأبنائهن خارج وقت الدوام، ومُنعن أيضا من حضور اجتماعات آباء التلاميذ وحتى من الدخول في حرم المؤسسة التعليمية بذريعة أنهن يلبسن الحجاب… [4]) انتهى الإستشهاد.

إن خطاب هذه السيناتورة يكشف بوضوح المآل الذي وصل إليه تطبيق هذا القانون، مما يؤكد بما لا يدع مجالا للريب أن القانون المشين يستهدف فئة واحدة هم النساء المسلمات ، لا غير. وليس كما تدّعي الدولة من أنه يشمل كل الطوائف الدينية…

في ظل هذه الظروف المتوترة، طردت إحدى المدارس أمّاُ متحجبة كانت تريد مرافقة ابنها مع فريق من الأمهات والمربّين. قدمت الأم شكوى للعدالة ، وانحاز وزير التعليم آنذاك “لوقا شاتيل” Luc Chatel، إلى مدير المدرسة وبعث برسالة تعكس مدى تصلب الدولة وتطرفها وانحيازها في تطبيق مبدإ العلمانية، وجاء في الرسالة ما يلي :

( إن وكلاء التلاميذ الذين يرافقونهم في الخروج المدرسي ، ينطبق عليهم ما ينطبق على الوكلاء العموميين أي المعلمين، وعليهم أن يخضعوا للمبادئ الأساسية للوظيفة العمومية … وإنه لا ينبغي أبدا التنازل ولا التفاوض حول مبدإ العلمانية[5])

وانضمت أيضا المحكمة الإدارية في حكمها في القضية إلى رأي الوزير ومدير المدرسة. وتم إقصاء الأم وحرمانها من مرافقة ابنها باسم العلمانية.

فتأمل رحمك الله كيف تتم صناعة التطرف العلماني  في جمهورية تدَّعي الحرية واحترام حقوق الإنسان، وانظر كيف يُشرَّع لإقصاء المرأة من التعليم ومن شتى أنواع الحقوق بذرائع سخيفة وواهية تحت حجة احترام مبدإ العلمانية.

ويرجع إقصاء الأمهات من الحضور إلى المدارس إلى ورقة قانونية نشرها وزير التعليم لوق شاتيل ، تهدف حسب تعبير الوزير إلى ( تعزيز قانون 2004 ، الخاص بحظر الرموز الدينية،  وتوضيحه[6]) وتنص الوثيقة[7] في سطورها على ضرورة حيادية الأمهات اللواتي يردن مرافقة أبناءهن في الخروج الذي تنظمه المدارس للتلاميذ. مما يعني أن على كل أمّ متحجبة أن تُعرّي شعرها تماما إنْ هي أرادت أن تخرج مع الأطفال في إطار النشاطات التي تنظمها المدرسة.

وذهب الإعلام هو الآخر  كل مذهب في التحريض على المسلمين، وحثِّ الساسة على سن قوانين أخرى أكثر تطرفا وإقصاء لفئة المواطنين المسلمين؛ فقد كتبت جريدة مترونيوز تحت عنوان عريض سؤالا في قمة التحريض :  ( العلمانية : هل بإمكان المدرسة حظر ارتداء التنورة الطويلة؟ [8])

وتنقل نفس الصحيفة عن المرصد الفرنسي لمحاربة الإسلاموفوبيا أن هذا الأخير أحصى في سنة 2014 وحدها أكثر من 130 حالة طرد من المدرسة لطالبات مسلمات بحجة ارتداءهن لباسا محتشما.

وفي نفس السياق ، كتبت صحيفة ليمانيتى L’Humanité بالخط العريض : (عصابة الرأس والتنورة ليستا علمانيتين بما فيه الكفاية[9] )

وعصابة الرأس هي حزام يحيط بجوانب الرأس ويسمونه الـ Bandeau ، ظلت تلبسه الطالبات كنوع من التحايل على منعهن من لبس الحجاب، فكن يلجأن لوضع هذه العمامة لتغطية رؤوسهن بدلا من الحجاب المحظور.

[1]   سوف نرى في الفقرات اللاحقة أن متطرفي العلمانية،  من نواب وساسة وغيرهم، سوف يقدمون مشروعا قانونيا آخر لحظر هؤلاء الأمهات المسلمات من ارتداء الحجاب عند الاقتراب من المدرسة، فتأمل كيف وصل بهم التطرف والغيظ إزاء الأقليات المسلمة.

[2]  قبعة كانت تلبسها الطالبات المسلمات لتغطية شعرهن، كنوع من التحايل على منع الحجاب…

[3]  فتوى مجلس الدولة الصادرة بتاريخ 5 دجمبر 2007 تحت رقم 285.394

[4]  من موقع مجلس الشيوخ، http://www.senat.fr/cra/s20061114/s20061114H4.html   ( نُظر فيه، يوم 26/08/2016)

[5]  رسالة وزير التعليم، بتاريخ 2 مارس 2011

[6]   تصريح الوزير لصحيفة ليبراسيون، مقال بتاريخ 23/12/2013

[7]  وثيقة صادرة من وزارة التعليم الفرنسية، في شهر  مارس 2012

[8]  صحيفة مترو نيوز، بتاريخ 03/04/2015

[9]  صحيفة ليمانيتي 17/05/2013

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *