قانون الإستخبارات والتنصت، ح 1

… وهذا قانون آخر من قوانين العار والتأسيسِ لعهد جديد من خنق حريات الناس والتنصت على هواتفهم  ومراقبة أجهزتهم الألكترونية ، بل متابعة مواقعهم الأرضية والأماكن التي يتنقلون إليها

انطلقت البداية الفعلية لتشريع هذا القانون بُعيد جلسة مجلس الوزراء الفرنسي يوم 19 مارس 2015 حيث قام المجلس بتبني مشروع قانون يبيح التنصت على الناس واستخدام معطياتهم الألكترونية على الأنترنت من أجل محاربة ما يسمى ” الإرهاب”،  وأُطلق على هذا المشروع اسم :” القانون المتعلق بالإستخبارات”.

وقد جسد هذا القانون خلال مداولاته ونقاشه جدلية “الحرية أو الأمن”؛ فمن أجل تمرير القانون في الجمعية الوطنية، تم مسبقا تخويف الناس في شتى وسائل الإعلام من احتمال هجومات “إرهابية” عن طريق الأنترنت وغيرها ، وقالوا للشعب أن بعض الشباب الإرهابيين في سوريا بإمكانهم الإتصال عن طريق الأنترنت بزملائهم في فرنسا وتخطيط  وتنفيذ هجوم إرهابي واسع على التراب الفرنسي. وأقنع السياسيون الناسَ أنه من الضروري مراقبة ومتابعة اتصالات هذه المجموعات الإرهابية على الشبكة العنكبوتية، وأن هذه المتابعة لا يمكنها أن تتم إلا من خلال سن قانون يرخّص في استخدام معطيات المتصلين والتعرف على هوية أصحابها. وقالوا أيضا للناس أنه من الأحسن الحد من حرياتهم بدلا من التعرض لهجومات كثيفة قد يروح ضحيتها عدد كبير من الأرواح… ازداد – إذن –  الخوف والهلع لدى الشعب ، فقبل معظم الناس بترسيم القانون وعارضته فئات كبيرة من الشعب ومن منظمات المجتمع المدني،  وبعض المنظمات الحقوقية العالمية، لكن الحكومة و الحزب الإشتراكي الحاكم آنذاك استطاعوا تمريره والتصويت عليه بالأغلبية الساحقة.

 

حيثيات القانون ومحتوياته

 

ورد في مشروع القانون مجموعة من الأسباب يمكن لمصالح الإستخبارات أن تبرر بها عمليات المراقبة التي تقوم بها ضد الأفراد،  ومن هذه الأسباب – حسب ما ورد في نص المشروع –  ما يلي :

  • المحافظة على إستقلال كامل التراب الوطني والدفاع عن مصالح الوطن
  • الوقاية من الإرهاب
  • المحافظة على المصالح الكبرى لفرنسا في الخارج
  • وقاية المؤسسات الجمهورية من الإعتداءات
  • الحماية من الأعمال الإجرامية وأعمال الشغب المنظَّمة

 

وقد أثارت الأسباب الوارد ذكرها في مشروع القانون ، مخاوف المعارضين؛ كونها قد تسمح بمراقبة الناشطين السياسيين العاديين وكذا المتظاهرين السلميين؛ مما يؤدي إلى خنق الحريات والحقوق ، وخاصة الحق في حرية التعبير.

ويخوّل القانونُ الجديد مراقبةَ الأفراد، والتنصت عليهم، لسلطةٍ إدارية مستقلة يطلق عليها ” اللجنة الوطنية لمراقبة تقنيات التخابر” CNCTR . وتتكون هذه اللجنة من أعضاء من مجلس الدولة Conseil d’Etat  وثلاثة نواب وثلاثة شيوخ وستة قضاة ، وخبير فني واحد. وكل قرارات هذه اللجنة ليست ملزمة إطلاقا، بل يمكن للدولة أن تتعداها وتقرر أن تتنصت على من تشاء دون حسيب أو رقيب.

وفي الحالات المستعجلة، يسمح القانون الجديد بأن يلجأ ضباط الإستخبارات إلى مراقبة الأفراد دون اللجوء إلى اللجنة آنفة الذكر، بل يكفي الترخيص من طرف رئيس الحكومة فقط لتتم عملية التنصت والمراقبة. وهنا تكمن إحدى مشاكل هذا القانون، حيث سيكون من حق سلطات المخابرات التنصت على من يشاؤون  بمجرد ترخيص بسيط من رئيس الوزراء، دون أي احترام للإجراءات القانونية و الحقوقية التي ينبغي اتّباعها في حالات اختراق معطيات الأفراد. ويذهب القانون أبعد من ذلك، فيجيز – في بعض الحالات-  لرئيس مصلحة الإستخبارات باتخاذ قرار التنصت بنفسه ومتابعة الأفراد دون اللجوء إلى ترخيص مسبق من الوزير الأول.

 

صناديق التنصت السوداء

 

إحدى أكثر الفقرات إثارة للإعتراض وغضب الناس هي تلك التي تنص على إجبار مزودي ولوج الأنترنت (Fournisseurs d’accès à Internet, FAI ) أن ” يكشفوا عن أي تهديد إرهابي من خلال معالجة أوتوماتيكية” . وتسمح هذه العملية الفنية باكتشاف واختراق الإتصالات المباشرة بين الأفراد،  ومراقبة المخططات التي قد تقوم بها الجماعات الإرهابية على الإنترنت ، ثم إخبار أجهزة الأمن  بها كي تتصرف في الوقت المناسب من أجل القضاء على العملية الإرهابية في مهدها.

وإن كانت هذه العملية منطقية وإيجابية في مضمونها لما فيها من درء للفتن، ومن الحفاظ على دماء الناس ، إلا أنها قد تؤدي إلى سوء استعمالها من طرف الجهات الأمنية؛ حيث سيقوم هؤلاء – لا شك – بتوسيع التنصت والمراقبة إلى أفراد لا علاقة لهم بالإرهاب من قريب ولا من بعيد ، وبالتالي يتم اختراق معطياتهم الشخصية ومكالماتهم الهاتفية دون وجه حق، بل وربما مضايقة بعض البرءاء من الناس  في تنقلاتهم وأسفارهم بسبب كونهم يحملون أسماء مطابقة لأسماء مجرمين آخرين…

أما من الناحية العملية ، فتتم عملية التنصت من خلال قيام سلطات المخابرات  بزرع  “صناديق سوداء ” داخل آلات وأجهزة مزودي ولوج الإنترنت . وتقوم هذه الصناديق السوداء بتسجيل الإتصالات الواردة بين الأفراد، وتسجيل عناوين المواقع الألكترونية التي يزورونها ، وعناوين الـ آي بي IP. والإشكال في هذه العملية هو أن المعلومات المسجلة في هذه الصناديق هي متعلقة بكل الناس المتصلين على الأنترنت وليس فقط بمجموعات إجرامية محدودة قد تقوم بعمل ما. مما يعني أن ثمت تنصتا شاملا واختراقا كليا لخصوصيات كافة الشعب دون أي تمييز. وهنا ندخل في المنطقة الحمراء للحريات العامة.

لقد أثارت قضية الصناديق السوداء انتقاد اللجنة الوطنية للمعلومات والحريات المعروفة اختصار بـ CNIL ، واعتبرتها خرقا سافرا لحريات الناس ولبياناتهم الشخصية. لكن الحكومة طوت كشحا عن هذه الإنتقادات ولم تأبه بها ، وسرت مع مشروع قانونها حتى تمت الموافقة عليه من طرف النواب والشيوخ.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *