قانون الحاضنات، حلقة 2

أهداف القانون

يهدف هذا القانون – حسب ما ورد في ديباجته – إلى الحد من انتشار الرموز الإسلامية في الحياة العامة للناس ويوسع الحظر – كما قلنا – من دائرة المؤسسات العامة للدولة إلى دائرة المؤسسات الخاصة وهنا تكمن خطورة هذا القانون لكونه يتدخل بشكل سافر في الحياة الخاصة للأفراد في تناقض صارخ مع المبدإ الاساسي للعلمانية التي يصدحون بها…

من الناحية العملية، يطرح هذا القانون عثرة كبيرة أمام عمل النساء المسلمات. تتحدد العثرة في أن أي امرأة مسلمة تلبس الحجاب سترى نفسها أمام خيارين إنْ هي أرادت العمل في شركة تابعة للقطاع الخاص – كقطاع حضانة الأطفال مثلا- أو حتى في بيت من البيوت لحضن طفل أثناء غياب أبويه :  سيكون عليها  إما أن تنزع حجابها لكي تعمل وتحصل على أجر من جهد يديها، وإما أن تلتزم بحجابها  فلا تعمل إطلاقا فتبقى عالة على الدولة والمجتمع … هذا هو ما يهدف إليه القانون الجديد … فهو نوع خفي من أنواع التهميش المتعمد إزاء طائفة محددة من طوائف المجتمع الفرنسي.

 

نصوص القانون وفقراته

ههنا أنقل حرفيا ما ورد في مواد هذا القانون ، طبقا لما نشره موقع مجلس الشيوخ على موقعه الألكتروني[1] :

عنوان الجلسة كما نصت علىه وثيقة المجلس  هو : (مشروع قانون يهدف إلى توسيع فرض الحيادية على بعض الاشخاص[2] والمؤسسات الخاصة التي تستقبل الصغار وإلى تأكيد احترام مبدأ العلمانية) .

يتكون القانون من ثلاث مواد ، وهاك ترجمة لأهم فقرات القانون :

المادة الأولى :

  • الفقرة الثالثة

(تخضع المؤسسات والهيئات التي تستقبل الاطفال تحت سن السادسة إلى وجوب الحيادية الدينية وذلك حينما تكون هذه المؤسسات ممولة من السلطات العمومية)

  • الفقرة الرابعة

(يجوز للمؤسسات والهيئات الخاصة التي تستقبل أطفالا والتي لا تحصل على مساعدة من السلطات العمومية أن تحد من حرية التعبير[3] لدى موظفيها الذين هم على اتصال مباشر بالصغار)

المادة الثانية

الفقرة الأولى

(بعد المادة   L227-1 من قانون العمل الاجتماعي والأُسر ، تُدرج المادة L.227-1 التي تنص على ما يلي:

الفقرة الأولى

(يجب على المؤسسات الخاصة، عندما تحصل على دعم من السلطات العمومية، أن تخضع لواجب الحيادية الدينية).

الفقرة الثانية

(يجوز للمؤسسات الخاصة التي لا تحصل على دعم من السلطات العمومية أن تحد من حرية التعبير الديني لموظفيها الذين هم على ا تصال مباشر بالصغار.)

المادة الثالثة

(قبل المادة L.423-23 من قانون العمل الاجتماعي والأسر، تضاف المادةA  L.423-23  التي تنص على مايلي:

( إذا لم ينص عقد العمل بين الحاضنة ورب الشغل على خلاف ذلك، فإنه يجب على الحاضنة أن تخضع لواجب الحيادية الدينية وقت استقبالها وحضانتها للأطفال) . انتهى الإقتباس

 

لا يخفى على أحد ما تحمله هذه النصوص من دعوة واضحة إلى الحد من حرية التعبير، ومن إقصاءٍ لفئة معينة من فئات المجتمع؛ فهي تمثل استهدافا جليا للمسلمات اللواتي يعملن في القطاع الخاص كحضانة الأطفال.

وعند التأمل في نصوص هذا القانون نجد أنه يطرح مشاكل فلسفية أخرى هامة. فإذا صوت الشيوخ على هذا المشروع الذي يوسع دائرة حظر الحجاب إلى القطاع الخاص وينص على أن على الحاضنة المسلمة أن تنزع كل رمز ديني في إطار العمل ، فهذا يعني أن  لهذه الحاضنة أن تفرض – باسم نفس القانون- على أبوي الطفل المحضون أن يُخرجا من بيتهما كل الكتب التي قد تكون دينية كالانجيل وغيره من كتب الأديان الأخرى ، لأنها كتب دينية لا تتماشى مع لزوم الحيادية التي يفرضها قانون العلمانية لسنة 1905.

إن قراءة متأنية لهذا القانون تفيد أن كل شخص غير متدين هو بالضرورة محايد ومحترم لقانون العلمانية ، وكل شخص يرتدي الحجاب أو أي رمز ديني هو شخص غير محايد ومخالف لقانون الحياد الديني الذي ينص عليه مبدأ العلمانية. إنها في الحقيقة رؤية ضيقة للأمور وجائرة ومجحفة بكل المواطنين على مختلف أديانهم. إنه قانون يذكّرنا بالعهد الشمولي أيام الرئيس  الفرنسي Philipe PETAIN في الأربعينات من القرن المنصرم. حيث فرض هذا الرئيس على المجتمع الفرنسي آنذاك  نمطا اجتماعيا وثقافيا واحدا لا يجوز لأحد الخروج عنه.

وعلى مدى كل فقرات المواد الواردة في القانون يلاحظ القارئ أن هناك اتجاها واحدا يهدف إليه المشرِّعون : هو التضييق على لابسة الحجاب من أن تلبس حجابها في الشارع أو في العمل أو وقت استقبال الأطفال في الحضانة خوفا من أن يراها الأطفال. والنتيجة النهائية هي طبعا حشر المسكينة المتحجبة في بيتها، ومنعها من العمل بكل بساطة. ونحن نتسائل ماالمشكلة في لبسها للحجاب وماذا عساه يصيب الطفل أو يضره إنِ ارتدت حاضنته  الحجاب؟ أم أنه الخوف على الأطفال الصغار أن يتعاطفوا مستقبَلا مع هذا الزيّ الديني؟

أعود وأقولها مرة أخرى : من خلال هذا القانون يظهر جليا أن المشرّعين الفرنسيين يبذلون أقصى جهودهم في خنق المسلمات وحرمانهن من حقوقهن الأساسية في العمل وفي حرية التعبير… وهذا خلافا لكل ما يتشدقون به من حماية حقوق الإنسان وحقوق  المرأة كحقها في  العمل وفي الحرية…

الحاصل، أن ثمت شرخا حقيقيا بين ما يخطبه هؤلاء أمام الناس وبين ما ينفّذونه على الأرض! بعبارة أوضح، إنه النفاق الديموقرطي.

 

هوامش

[1] http://www.senat.fr/leg/tas11-048.pdf  (تمت استشارته يوم 06/09/2016)

[2]  أي المسلمات طبعا

[3]  انظر كيف يشجع المشرِّعون على خنق الحريات، و الحد من حرية التعبير.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *