قانون حظر الحجاب، الحلقة الأخيرة.

حظر المحجبات من دخول المحاكم وحضور جلسات المحاكمة

 

يعتبر طرد المسلمات في ميدان القضاء عملة رائجة ، وأصبح وسيلة فعالة لإذلال النساء في فرنسا، حيث طردت إحدى القضاة في مدينة بوبيني Bobigny  قرب باريس امرأة مسلمة كانت جالسة لاستماع جلسة محاكمة، وكان ذلك في 8 أكتوبر 2010.

كما يُحظر على المحاميات، وعلى الطالبات والمتدربات اللواتي يدرسن في شؤون المحامات ممارسة الدفاع والمرافعات في المحكمة وهن متحجبات.

طرد المحجبات من الفنادق

المضايقاتُ الممنهجة والمقننة من طرف الدولة أرخت العنانَ للمتطرفين والعنصريين فاتخذوها ذريعة في التحريش بالمسلمين. فقد قام أحد الفنادق في صيف 2006  بكِراء غرفة لسيدتين مسلمتين وبعد التوقيع على عقد الكراء علم مسؤول الفندق أن  السيدتين تلبسان الحجاب الإسلامي فقرر طردهما من الفندق بحجة إمكانية تسببهما في تهديد الأمن الداخلي للفندق فوجدت السيدتان نفسيهما دون مأوى، وباتتا في العراء.

منع المحجبات في مدارس تعليم السياقة

توسيعا لتطبيق حظر الحجاب في شتى الأماكن، أصدرت الحكومة  قرارا آخر مفصلا على قدّ المسلمات اللواتي يطمحن لسياقة سياراتهن. صدر هذا القرار تحت رقم ISO/IEC 19794-s 2005  وينص على أن (الرأس يجب ان يكون مكشوفا وأنه يُمنع وضع أي غطاء عليه) وهي طبعا إشارة إلى الحجاب الإسلامي.

مطاردة المحجبات في الجامعات

في بداية السنة الجامعية 2007-2008 و داخل حرم جامعة السوربون، حضرت  “سامية” وهي طالبة متحجبة  إلى درس علم الاجتماع. جاءت البنت متأخرة قليلا . استأذنت الأستاذ فأذن لها بالدخول وسألها عن اسمها وتحقق منها على لائحة طلابه. ولما جلست البنت على مقعدها سألها الأستاذ مرة ثانية قائلا : (هل تعلمين أن هذا الذي تضعينه على رأسك يزعجني كثيرا. نعم أعلم أن القانون يسمح لك بارتدائه – في الجامعة –  لكني لا أحبه. وأقترح عليك أن تحضري دروس أستاذ آخر). هكذا وبكل صراحة عبّر الأستاذ الفرنسي للطالبة عن ما يختلج في صدره. أخذت البنت المتحجبة حقيبتها وغادرت القاعة. عبّرت إحدى  الطالبات الحاضرات للأستاذ عن صدمتها من معاملته الفظة للفتاة المسلمة. احتدم النقاش بين الأستاذ والطلاب البالغ عددهم 29 طالبا. قال الأستاذ للطلاب ( أنتم تعلمون أني أنتمي إلى منظمات يسارية) في إشارة إلى أنه من المدافعين عن حقوق المستضعفين  وبالتالي – يقول الأستاذ –  لا يُعتب علي إن طردت بنتا لا تلتزم النظام… ويستطرد الأستاذ الفرنسي قائلا ( ثم إني اعرف جيدا المغرب العربي ولي أصدقاء كثر ماتوا هناك بسبب الإسلام) …هنا تدخل احد الطلاب وسأل الأستاذ بشكل غير مباشر عن مفهومه للعلمانية قائلا ( أرأيتَك – سيدي الأستاذ – لو حضرتْ طالبة أخرى تلبس زيا دينيا آخر ، أوَ كنتَ طاردها من حصتك ؟

الأستاذ:  كلا

ههنا فهم الطلاب مغزى الأستاذ من طرد البنت وعرفوا أن مشكلته هي مع الإسلام كدين، لا مع البنت كطالبة…

وثمت حالات أخرى كثيرة في عدة مدن في الداخل الفرنسي، يضيق المجال عن حصرها ، لكني أكتفي هنا بذكر هذا الغيض من فيض سلسلة النتائج والمضايقات التي ترتبت على تطبيق هذا القانون والتي راح ضحيتها المسلمون، وخاصة النساء منهم، وللمزيد من سلسلة المضايقات ، يُرجَع إلى فصل ” مسلمي فرنسا : الواقع الأليم” .

 

إدانة فرنسا من طرف لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان

 

أثناء تطبيق قانون حظر الرموز الدينية على الأرض، صدرت عدة مخالفات من بعض النساء المسلمات اللواتي يلبسن  الحجاب عن اقتناع شخصي ومن بعض الديانات الاخري كالديانة السيخية و هي ديانة هندية مزيج من الإسلام والهندوسية. وإثر هذه المخالفات قُدمت عدة شكاوى من بعض المتضررين إلى بعض المنظمات الحقوقية الدولية، و خاصة لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

ونظرا لما لهذا القانون من خرق سافر لأبسط مبادئ حقوق الانسان ولِما له من تأثير قوي في إقصاء فئة معينة من المجتمع في فرنسا، فقد أصدرت لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة في دجمبر 2012 بيانا أدانت فيه هذا القانون واعتبرته مناقضا لمبدأ  المساوات الدولية وذلك وفق ميثاق الحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966. فقد عبرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن إدانتها لطرد تلميذ من أصل هندي ينتمي إلى ديانة السيخ بسبب أنه يلبس العمامة السيخية. ودعت اللجنةُ فرنسا إلى إعادتها النظر في هذا القانون الذي يميز بين الناس.

بدأت القصة حين طرد مدير مدرسة ثانوية في منطقة كرتيل  Créteil تلميذا من مجموعة السيخ الهندية لأنه يلبس العمامة ووصلت القضية للعدالة، ووافقت هذه على قرار المدير تطبيقا لقانون حظر الرموز الدينية في المؤسسات التعليمية. وأذكّر ان هذا القانون يقول بالنص ( في المدارس والثانويات والاعداديات العمومية ، يحظر لبس أي زي ديني يظهر الانتماء الديني للشخص …)

تعقّد حل القضية عند العدالة، فرُفعت إلى المجلس الدستوري للدولة فبتَّ فيها قائلا ( نظرا إلى المصلحة المرتبطة باحترام مبدإ العلمانية في المؤسسات المدرسية العمومية فإن الطرد النهائي الصادر من المؤسسة ضد الطالب الذي  لا يحترم حظر الرموز الدينية لا يعتبر مساسا بحرية الفكر والتدين )

وهنا تبدو نبرة الإنحياز إلى قرار العدالة واضحة في نص فتوى  مجلس الدولة، الذي من المنتظر منه أن يكون حياديا في كل القضايا.

عندما سُدت الأبواب القضائية في فرنسا، قام محامي هذا الولد بالاتصال بمنظمة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة. وكانت  النتيجة أن أصدرت اللجنة بعد دراسة متأنية للقضية بيانا أدانت فيه التمييز الديني الواقع في فرنسا.

صدر بيان منظمة حقوق الإنسان يوم 4 دجمبر 2012 تحت رقم 1852/2008 .

عملت اللجنة أولا على دراسة القانون المجرّم للبس الرموز الدينية واستمعت إلى حجج السلطات الفرنسية القائلة بضرورة احترام مبدإ العلمانية في المؤسسات العامة للدولة والحفاظ على السلم والأمن العامَّيْن.

ثم رأت اللجنة أن الفرنسيين لم يستطيعوا تقديم أدلة مقنعة تبرهن أن ارتداء الولد لزيّه الديني قد يخل بالنظام العام أو يؤدي إلى تقييد حرية الطلاب الآخرين أو يخل  بأمنهم في المدرسة.

بناء عليه، وعلى إثر سلسلة من المداولات بين الحقوقيين الدوليين وفقهاء القانون أصدرت اللجنة العامة لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة إدانتها المطلقة لقانون حظر الرموز الدينية في المدارس و استندت في ذلك إلى المادة رقم 18 من قانون الحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أن حرية التدين تقتضي أن يلبس الإنسان أي زي شاء. وأكدت اللجنة في قرارها أن لبس العمامة لدى جماعة السيخ هو واجب ديني وعنصر أساسي في إبراز الشخصية السيخية.  وبالتالي فإن منع التلميذ من ارتداء عمامته يعتبر تقييدا لممارسة الحرية الدينية للأفراد. ثم خلصت اللجنة إلى أن تقييد حرية التدين ليست دائما غير قانونية.  لكن هذا النوع منها ،الذي يمنع الاطفال الصغار من التمدرس  يعتبر متعسفا ومتطرفا وغير متناسب مع حجم القضية وتستحق فرنسا أن تُدان عليه. ثم إن الحوار – تقول اللجنة – مع المدرسة وأبوي الطفل حول لباس الطفل لم يكن مخلصا ولا جديا ولم تبذل إدارة المدرسة أي جهد من اجل تحاشي الطرد وكان الحافز الأساسي لطرد هذا الطفل هو أنه يظهر بزي ديني. وهذا فيه الكثير من اللاتسامح والعنف تجاه حرية الناس، حسب اللجنة.

وقد ذكرتْ فرنسا في حججها أمام جمعية الأمم المتحدة أن قرار الطرد يهدف أساسا إلى وضع قاعدة أساسية عامة تجاه حدث موضوعي هو  لبس الزي الديني في المدرسة، فردّت عليها اللجنة أن الحجة داحضة ، لأن فرنسا لم تستطع البرهان على أن التضحية بحقوق الطفل كانت ضرورية لهذا الحد، من أجل فرض احترام القانون.

وختمت اللجنة في قرارها أن على فرنسا مراجعة قانونها المعادي لحرية التدين على ضوء هذا القرار وأن لديها ستة أشهر لهذا العمل.

أثار قرار اللجنة العامة لحقوق  الإنسان لدى الأمم المتحدة امتعاضا كبيرا في الأوساط العلمانية الفرنسية وتكتمت الدولة عليه ولم تدل بتعليق. ومرت القضية دون أن تحرك فرنسا شيئا لإعادة  النظر في  قانون حظر الرموز الدينية.

وتعتبر إدانة فرنسا بهذا القانون وصمة عار أبدية في جبينها تجاه حقوق الإنسان التي طالما  تغنت فرنسا باحترامها ودعمها والدفاع عنها. لكنها سياسة الكيل بمكيالين إزاء المواطنين المستضعفين…

 

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *