قانون حظر الحجاب ، حلقة 4

تمدد حظر الحجاب الإسلامي من المدارس إلى المؤسسات الصحية والمستشفيات

من المهم أن نعلم أن إشكالية ارتداء الرموز الإسلامية لم تكن معروفة ولا مطروحة في السابق  بهذه الدرجة كما هو الحال في هذه الأيام ، بل كان ثمت تسامح كبير من طرف الدولة في قضية الحجاب. فقد صدر في الأربعينات قانون في فاتح فبراير 1944 يقول (إن على الطاقم الطبي أن يحترم بصرامة حرية التدين لدى المرضى)

وفي 4 يناير 1974 ينص النظام الداخلي للمستشفيات العمومية على أنه ( يجب – قدر الإمكان- احترام العادات الغذائية المرتبطة ببعض الأديان)

كانت هذه النصوص القانونية سارية المفعول في العصر الذهبي للجمهورية الفرنسية.

لكن في السنوات الأخيرة وخاصة بعد أحداث نيويورك سنة 2001، انقلب الأمر رأسا على عقب وأضحى التضييق على المسلمين أكثر حضورا وأكثر عنفا وتنظيما من أي وقت مضى.وأمست القوانين المنظِّمة لعمل المستشفيات أشد صرامة وعنفا ضد المسلمين سواء تعلق الأمر بلبس الحجاب أو بالنظام الغذائي خاصة في مسألة استهلاك اللحوم الحلال.

ففي سنة 2005 صدر مرسوم وزاري من وزارة الصحة برقم DHOS/G/2005 يتعلق بتطبيق مبدأ العلمانية في المؤسسات الصحية العمومية ينص على أنه :

( يجب الحرص على أن لا تؤثر المظاهر الدينية على نوعية العلاج وعلى القواعد الصحية ) أي أن على المريض او المريضة التقيد بنصائح الأطباء ولبس الثياب التي نصحها بها الطبيب وأكْل ما توفر من طعام سواء  كان لحم خنزير أو غيره من الحيوان ولو كان غير مذبوح.

أما إن كان الطبيب مسلما أو مسلمة فقد نص  المرسوم الحكومي السالف الذكر على أنه ( إن كان الموظف العمومي له الحق – ككل المواطنين- في حرية التدين،فإن احترام مبدإ العلمانية يفرض عليه التقيد بالحياد الديني ويمنعه من إظهار أي مظهر ديني يدل على دينه أو عقيدته وخاصة فيما يتعلق باللباس  ) في إشارة إلى الطبيبات المسلمات اللواتي يلبسن الحجاب.

من خلال هذه النصوص الرسمية نفهم بسهولة أن محاربة الرموز الإسلامية هي معركة شاملة وجذرية لا تتوقف عند المدارس فقط، بل تشمل حتى المسلمين العاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين ومرضى وغيرهم …

وتطبيقا لهذه القوانين فقد حكمت محكمة باريس الإدارية في إحدى جلساتها على إحدى الطبيبات من أصل مسلم بالطرد من العمل بحجة أنها تلبس الحجاب الذي يخالف مبدإ العلمانية.

كما حكمت محكمة مرسيليا في قضية أخرى على شاب اعترض على الممرضات أنْ  ينزعن الحجاب من على رأس زوجته أثناء عملية الوضع، فقام بالاحتجاج على ذلك فقدم المستشفى شكوى ضده وحكم عليه بالسجن ستة أشهر نافذة.

 

حملات منع المحجّبات  من إجراء مراسيم الزواج في البلديات

 

واستمرارا في هذه الحملة العشواء ضد مسلمي فرنسا ، قامت عاملة من أصل جزائري تعمل نائبة لعمدة مدينة ليون Lyon  بإجبار سيدة مسلمة على خلع حجابها، كشرط أساسي لإجراء مراسيم الزواج الإداري في حرم البلدية.

المستشارة البلدية التي قامت بهذا الإجراء الإذلالي ضد السيدة المتحجبة تنتمي إلى حزب الخُضُر وهو حزب يهتم بشؤون البيئة، و اسمها فتيحة بن أحمد :

وكم من سمِيّ ليس مثل سميّهِ    وإن كان يُدْعى باسمه فيجيبُ

وعلى الرغم من كون اسمها يشي بأصلها ودينها  إلا أنها أبتْ إلا أن تنتصر لهذا الدين الجديد، دين العلمانية.

وانتشر في الإعلام خبر منع المسلمة من الزواج بسبب حجابها. وكانت القصة قد بدأت في الرابع من يونيو 2011 حين جاءت سيدة فرنسية من أصل مسلم بعد ميعاد مسبق من البلدية تريد إجراء مراسيم الزواج المدني … وعلى الرغم من أن القانون الفرنسي التقليدي يخوّل لها أن تجري جميع مراسيم الزواج وهي لابسة الحجاب إلا أن نائبة العمدة الآنفة الذكر رفضت بشكل قاطع أن تصادق البلدية على هذا الزواج الذي تلبس صاحبته الزي الاسلامي.

أمرت فتيحة بن أحمد  – نائبة العمدة –  السيدة المسلمة بنزع حجابها فورا وقالت لها برعونة ( إن لم تفعلي ماآمرك به فلن تعترف البلدية بزواجك ولن تحصلى على أي ورقة رسمية تثبت أنك متزوجة)… حينها شعرت المسلمة بالضغط الشديد فاستسلمت للإبتزاز…

ولأن الحملة مستمرة باسم الديانة العلمانية في جميع أنحاء الجمهورية ،  فقد وقعت  قصة مطابقة للقصة السابقة في شهر دجمبر 2011 ، لكنها هذه المرة في إحدى بلديات باريس ، حيث جاء المتزوجان إلى البلدية لإجراء مراسيم الزواج … وقبل حضور موعد الزواج استدعت البلدية المرأة صاحبة الجلباب وطرحت عليها أسئلة شخصية من قبيل لماذا تلبسين هذا الجلباب وهل زوجك أو أبوك أو أحد من أهلك هو من أجبرك على لبسه … في كل الأسئلة أجابت المرأة أنها  تلبس الجلباب عن اقتناع ديني وشخصي وأن لا علاقة لذويها بفرض أي شيئ عليها … أجابت صاحبة البلدية بالموافقة على الموعد.

قبل موعد مراسيم الزواج  بيوم واحد بعثت البلدية برسالة إلى صاحبة الجلباب تقول فيها أن الزواج في البلدية بهذا اللباس  غير ممكن؛ لأن مبدأ العلمانية لا يجيز ذلك.

ورفض عمدة المدينة رفضا باتا  ترسيم الزواج بحجة أن المرأة تلبس الحجاب… وقال للسيدة المسلمة لديك خياران : إما أن تنزعي حجابك وإما  أن تخرجي من البلدية؛  فالبلدية تحترم العلمانية والعلمانية لا تجيز لنا تزويجك بدون أن تسفري  عن شعر رأسك. انفعلت المسلمة وشعرت أنها مستهدفة فردت بتشنج وكاد الأمر أن يستحيل إلى شجار يدوي …

اتصلت هذه المسلمة بجمعية يديرها حقوقيون تسمى amazones de la liberté  أي – فارسات الحرية- ، وهذه الجمعية تدافع عادة عن حقوق الضعفاء والمحرومين في المجتمع الفرنسي ولها نفوذ لا بأس به في هذا الميدان …

اتصلت الجمعية بالبلدية  وذكّرتها بما يقتضيه القانون وبأن الحجة التي قدمتها البلدية من احترام للعلمانية لا تعني أبدا منع الناس من إجراء زيجاتهم المدنية حسب ما يشتهون  بصرف النظر عن  شكل لباسهم وعقائدهم ، لكن البلدية أصرت على قرارها …

و لما هددت الجمعية بتقديم شكوى إلى العدالة ،  تراجع عمدة البلدية عن قراره وأمر بإجراء مرسوم الزواج للسيدة المسلمة مع قبول لبس الحجاب[1]..

وهنا أشير إلى أن المسألة ههنا ليست مسألة نقاب ، فلو كان الأمر كذالك لقبلنا ذلك ولو على مضض بذريعة أن القانون الفرنسي الجديد يمنعه ، لكن الإشكالية تكمن في أن هذه المرأة تلبس الحجاب والحجاب ليس بمحرم إطلاقا في القانون، إلا على البنات في المدارس العمومية، وفقط في المدارس العمومية لا غير…

ذلك يعكس لك مدى تشدد وتحمس هؤلاء العلمانيين ومعهم الفرنسيين الجدد من أصل عربي لكل ما من شأنه إهانة المسلمات المتحجبات وتنغيص حياتهن..

 

هوامش :

[1]  http://amazonesdelaliberte.com/2011/12/28/scandale-a-la-mairie/  (تم استشارته ، يوم 01/02/2012)

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *