مجلس العلماء

مجلس العلماء ، أو حسب تعبيره الفرنسي المجلس الفقهي الإسلامي  الفرنسي Le conseil théologique musulman de France    . وقد تأسس في شهر مايو 2015 بمبادرة من ثلاثين شخصية مسلمة من فرنسا. وأغلب أعضائه مثقفون وأساتذة ، لهم باع طويل في تخصصاتهم ، منهم من تخرج من الأزهر ، والزيتونة ، ومنهم من درس في بلده الأصلى المبادئ الأولى للشريعة الإسلامية، ثم حصل على شهادات عليا من جامعات فرنسية في علوم مختلفة كالإقتصاد واللسانيات والفيزياء وغيرها.

وقد جاء هذا المجلس بعد صيحات ألقاها بعض المهتمين بالشأن الإسلامي في فرنسا ، من أجل إنشاء مجلس يقوم بإصدار الفتاوى والآراء الدينية المتعلقة بالأحوال المتجددة لمسلمي فرنسا.

وكان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية CFCM عبّر عن أمله منذ سنوات في تكوين مثل هذا المجلس، ولم يقم بشيء في هذا الصدد… إلى أن جاء الأطر والمثقفون السالف ذكرهم واستبقوا الأحداث وفضلوا تأسيس هذا المجلس ؛ فسحبوا بذلك البساط من تحت المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية .

وأعتقد أنهم على حق في استباق الأحداث لكون المجلس الفرنسي CFCM يُعتبر مجلسا متسيسا في العمق ، وغالبية مسيريه ينتمون لتيار علماني صرف، ومستوياتهم الثقافية الدينية لا تسمح لهم إطلاقا بالنهوض بمجلس ديني يتضلع بإصدار فتاوى تتعلق بالحلال والحرام.

ولا شك أن تأسيس مجلس يقوم بهذا الدور لهو مبادرة طيبة تستحق التنويه ، جاءت من بعد فترة من الركود العلمي والتيه الديني والثقافي لدى مسلمي فرنسا. لكن المرحلة الأصعب هي اعتراف المسلمين الفرنسيين به؛ فأغلب المسلمين هنا يعتمدون في فتاواهم المتعلقة بالأحكام وغيرها على ما يصدره علماء بلدانهم الأصلية في العالم الإسلامي. وترى البعض منهم يعتمد غالبا على فتاوى الحنابلة من علماء نجد والحرمين.. ولعل هذا راجع إلى توافر المواقع الإلكترونية لهذا المذهب على شبكة الإنترنت.

إلا  أن ما يحتاجه المسلمون هنا هو فتاوى تتماشى وتتسق مع الأوضاع الفرنسية ؛ فسَعَة الشريعة الإسلامية ومرونتها تجعلها قابلة للتكيف مع كل زمان ومكان. وكثيرا ما رأينا فتاوى مستمدة من آراء علماء نجد ، قد ضيقتْ كثيرا على عوام المسلمين في هذه البلاد، وضيعتْ فرصا ذهبية نادرة في الإندماج والتكامل داخل المجتمع الجديد. وبالتالي فلا بد من انتهاج المرونة واليسر في إصدار الفتاوى ، وهذا لا بد له من مذهب إسلامي رحب كمذهب إمام المدينة مالك بن أنس أو أبي حنيفة أو الشافعي رحمهم الله. فالحنابلة هم أهل حديث في الأصل، ويقبضون بشدة على ظواهر النصوص، ولا قِبَل لهم أصلا بمعالجة ظواهر وأوضاع متجددة في مجتمعاتٍ غربية حديثةِ عهد بالإسلام.

بعيد إنشاء مجلس العلماء هذا، أصدرت الجماعة المؤسسة بيانا أبرزت فيه الهدف الأهم من المجلس ، وجاء في البيان ما يلي ( إن مجلس العلماء حدد لنفسه هدفا أساسيا هو مساعدة المسلمين الفرنسيين في معايشة دينهم ومواطَنتهم، وذالك من خلال الرجوع إلى الحلول الوسطية في الممارسة الدينية وفي العلاقات مع غير المسلمين)

ويقول الأستاذ أحمد جاب الله وهو إسلامي نشط في فرنسا، من أصل تونسي، وأحد المؤسسين للمجلس ، في تصريح له لأحد المواقع الإسلامية الفرنسية، أن المجلس الجديد ( لا يرتبط بأي مؤسسة إدارية رسمية)

ولا شك أن هذه النقطة مهمة بالذات، فاستقلال المجلس وأعضاؤه المؤسسون يُعتبر مسألة ضرورية لتقديم أي جهد علمي حيادي بعيد عن كل أنواع الضغوط، خلافا لما هو الحال من عدم الإستقلالية وقلة الحيادية التي تطبع مجلس CFCM السياسي العلماني القريب من القنصليات العربية، والمتملق للدولة الفرنسية، و المنبوذ من طرف عامة المسلمين في هذه البلاد بسبب علاقاته المتشابكة مع دول مغاربية ومع المنظمات الماسونية الفاعلة على التراب الفرنسي.

وإضافة لدوره في تقديم الفتاوى والإجابات على شتى الأسئلة المستجدة على المسلمين، فإن المجلس سوف يضطلع بتحديد التواريخ الدينية الهامة لمسلمي فرنسا ، مثل بداية ونهاية شهر رمضان ، ويوم عيد الأضحى ، والمولد النبوي  ..

وفي الجملة ، يبقى السؤال مطروحا، هل سينجح هذا المجلس الوليد في مهمته ؟ وهل سيحقق التوافق الإسلامي المنشود في فرنسا، ذلك التوافق الذي يحلم به كل مسلم مستقل نزيه؟ أم أن حاله سيكون كحال باقي الجمعيات والمنظمات الإسلامية : كلٌّ يغرد خارج سربه ، ويخضع لضغوط هذه القنصلية أو لتعليمات تلك السفارة.

على كل حال، أتمنى له النجاح في مهمته.

ملاحظة،  هذا المقال مقتبس من كتاب ” فرنسا التي رأيت ” للمؤلف محمد عبد الله ولد المرواني.

 

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *