مشروع قانون حظرالأمهات من مرافقة أطفالهن

مقترح قانون يقضي بمنع المحجبات من مرافقة أطفالهن

 

بعد المقترح القانوني السابق بأسبوعين فقط، انتفض خمسة وستون نائبا من نواب الجمعية الوطنية وحرروا مشروع قانون جديد يهدف هذه المرة إلى منع الأمهات المتحجبات من دخول المؤسسات التربوية من مدارس وغيرها، ومنعهن من مرافقة أبنائهن في إطار النشاطات التي تقدمها المدرسة للتلاميذ.

و نشرت الجمعية الوطنية على موقعها في الأنترنت مقترح القانون المذكور الذي تم اقتراحه بتاريخ 14 اكتوبر 2008، وتم تسجيله لدى الجمعية الوطنية تحت رقم 1080. وجاء اقتراح القانون تحت عنوان :

(مقترح قانون يهدف إلى منع ارتداء رموز أو ثياب تُظهر بوضوح المعتنق الديني، السياسي، أو الفلسفي، من طرف أي شخص تشغّله السلطة العمومية، أو مكلف بمهمة عمومية أو مشارك فيها[1])

ولا شك أن العنوان يكشف مَن المستهدَف الحقيقي بهذا المشروع، فعبارة (تظهر بوضوح ) الواردة في العنوان تعني الحجاب الإسلامي، لأنه هو الرمز الديني الوحيد الذي يظهر بوضوح ، أما العبارة الأخيرة (مشارك فيها ) فهي تحيل إلى النساء اللواتي يلبس الحجاب ويرافقن أبناءهن في النشاطات المدرسية خارج المدرسة.

وجاء في ديباجة مقترح القانون هذا، ما يلي :

( إن قانون 15 مارس 2004، جاء ليحد من لبس الرموز والأزياء الدينية، التي تُظهر المعتقدات الدينية لأصحابها في المدارس ، والإعداديات والثانويات العمومية، وذالك تطبيقا لمبدإ العلمانية….وإننا لنأسف أن المشرّع لم يوسّع حقل تطبيق هذا القانون إلى الجامعات العمومية ، كما هو الحال في تركيا…. وفي فرنسا كشفت الأحداث أن ثمت خرقا واضحا لميثاق علمانية الدولة، خاصة من طرف أمهات التلاميذ اللواتي يرافقن أبناءهن أثناء الخروج المدرسي[2]… إن سماح الإدارات المدرسية لهؤلاء الأمهات بالمشاركة في النشاطات المدرسية يجعل منهن مساعدات تربويات ينطبق عليهن ما ينطبق على المعلمين والمربّين …. وعليه فإن على الدولة – في إطار المصلحة العمومية – أن تفرض على هؤلاء الأمهات الإلتزام بالحيادية… إن الهدف من هذا المقترح هو أن يُمنع بصراحة ووضوح ارتداء أي رمز أو ثياب تُظهر المعتقد الديني لأصحابها. هذا هو مقترح القانون الذي نطالبكم ، أيها السادة والسيدات بالمصادقة عليه [3] )

ههنا أيضا، لا يخامر أحدا أي شك في أن هذه الديباجة تشير بالأصابع إلى الأمهات المسلمات.

وفي آخر المقترح وردت المواد التي طُلب من النواب المصادقة عليها ، وهي ثلاث مواد ، أذكرها هنا :

  • المادة رقم 1

( يُحظر على أي شخص مكلف من طرف السلطة العمومية أو مكلف بمهمة عمومية ،أو مشارك فيها ، أن يرتدي أي رمز أو ثوب يُظهر بوضوح معتقده الديني، السياسي، أو الفلسفي. وينطبق نفس الشيء على أي شخص مكلف بتفويض انتخابي عمومي في إطار ممارسته لمهامه[4])

 

  • المادة رقم 2

(يُحظر ارتداء أي رمز أو ثوب يُظهر بوضوح معتقد المرء الديني، السياسي، أو الفلسفي في حرم المؤسسات التي تمارَس فيها خدمة عمومية، هذا في حالة ما إذا كانت هذه الرموز تدعو إلى التحريض ، أو إلى الحط من الكرامة الإنسانية[5])

وكلمة التحريض هنا تشير إلى النساء اللواتي قد يأتين من خارج المدرسة لاستلام أبنائهن أو إخوتهن الصغار، كما أن عبارة (الكرامة الإنسانية) الواردة في آخر المادة تشير إلى أن الحجاب الإسلامي – في أذهانهم – مهين لكرامة المرأة. وهذه “الكرامة الإنسانية”  هي التي غالبا ما يتحجج بها متطرفوا العلمانية في محاربتهم لحجاب النساء المسلمات الذي نص عليه القرآن الكريم في أكثر من موضع.

  • المادة رقم 3

( إن أي خرق للمادتين الاولى والثانية يعاقَب عليه طبقا للمادة 131-13 من قانون العقوبات كعقوبة من الدرجة الخامسة[6])

تجدر الإشارة إلى أن عقوبة الدرجة الخامسة في القانون الفرنسي هي من أغلظ العقوبات ، وتصل غرامتها إلى 1500 يورو أي ما يساوي قيمة راتب شهري لعامل بسيط.

بعد قراءتك المتأملة لهذه المواد، لك أن تتصور مدى تطرف هؤلاء النواب والمشرّعين ومدى كراهيتهم لنا ولديننا، واستهدافهم للمسلمات المتحجبات بالذات. ولك أيضا أن تتساءل عن مدى مصداقية دعاواهم عن الحرية والديموقراطية التي يتبجحون بها. فأية حرية تبقى إذا كانت من ترتدي زيا بملئ إرادتها تُعاقَب بأبهظ أنواع العقوبات. وأية ديموقراطية هذه التي تُشرِّع تهميش المستضعفين وعزلهم عن الحياة العامة ومنعهم من المشاركة في تربية وتكوين أبناءهم؟

ولك أيضا أن تتصور ما ستكون عليه نفسية هذا التلميذ الصغير الذي يرى أمه في حرم المدرسة وهي محاطة برجال الشرطة والأمن ليغرموها مبلغ ألف وخمسمائة يورو أو ليقتادوها لمقرات الأمن للتحقيق معها، وإهانة كرامتها الإنسانية والدينية.

إن أقل ما يمكن قوله عن مثل هذه التشريعات أنها غير موضوعية، بل جنونية، وتعكس لا مسؤولية النواب الفرنسيين الذين اقترحوها وصوتوا عليها، بل وتمهّد لفصل دموي طويل من النزاعات المدنية بين المواطنين على مستوى كل التراب الفرنسي.

 

هوامش

 

[1]  من موقع الجمعية الوطنية، http://www.assemblee-nationale.fr/13/propositions/pion1080.asp (تمت استشارة الموقع بتاريخ 28/08/2016)

[2] لاحظ هذا التأليب السياسي على الأمهات المتحجبات

[3]  نفس المصدر السابق

[4]  نفس المصدر الآنف

[5]  نفس المصدر

[6]  نفس المصدر السابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *