مجلس الـCFCM ، ح 3

طريقة تسيير مجلس  CFCM  

يجدر بالذكر أن التدخل المستمر لوزارة الداخلية الفرنسية في إدارة هذا المجلس وفي تعيين أُطُره، شكل عائقا كبيرا أمام حريته وقدرته على تنفيذ مشاريعه و سد الفراغ المؤسسي الذي يعاني منه دين الإسلام في فرنسا. وقد لاحظتُ أن سلوك الحكومة الفرنسية تجاه تكوين إدارة مجلس الـcfcm يشابه إلى حد بعيد سلوكها إزاء مستعمراتها المغاربية السابقة، فالرؤساء عندنا و الوزراء وكبراء الجنود يتم تعيينهم مسبقا في أروقة وزارة الداخلية الفرنسية ووزارة الدفاع ويُفرَضون قسرا على شعوبنا… وهذا بالتحديد هو ما حصل مع تسيير الإسلام، ولا زال يحصل في قلب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؛ إذْ  تدخلت الحكومة منذ البداية – كما رأينا – في تعيين رئيس المجلس الجديد ، رغم أنه لم يحصل على أي شرعية انتخابية. وحصل هذا التدخل مرات عدة في تعيين شخصيات أخرى في إدارة المجلس…وكل هذه التعيينات تحدث من خلال اتفاقيات سرية بين الحكومة الفرنسية وقنصليات وسفارات بعض الدول العربية، في منأى تام عن التشاور بين الهيئات الإسلامية والجمعيات المكوّنة لمنظومة المجلس.

الرؤساء المتعاقبون على مجلس CFCM

منذ تأسيسه الفعلي سنة 2003، تعاقب على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ثلاثة رؤساء ، أولهم رجل يسمى ” دليل بوبكر” ، الذي سبق وأن أشرت إليه في  حديثي عن انتخاب رئيس  المجلس، وهو طبيب لا علاقة له بتسيير شؤون الدين.. من أصل جزائري، ومن مواليد 1940 في مدينة اسكيكدة شرق الشريط الساحلي في الجزائر.

تم انتخاب هذا الطبيب  بشكل غير شرعي في بداية تشكيل المجلس سنة 2003، وأعيد انتخابه مرة أخرى سنة 2005 – رغم أنوف مئات آلاف المسلمين الذين لم يصوتوا له – ورغم الفشل الإنتخابي الذي مُني به مسجد باريس الكبير الذي يترأسه الطبيب “دليل بوبكر” ، وهذا عيب آخر يُحسب على مجلس CFCM في طريقته الشاذة واللاديموقراطية في انتخاب رؤسائه.

وفي يونيو 2008 ، انتُخب الرئيس الثاني للمجلس، واسمه “محمد موساوي” وهو مغربي من مواليد سنة 1964 في مدينة فݣيݣ, الواقعة في أقصى الشرق المغربي. وهذا الرجل أستاذ لمادة الرياضيات في إحدى الجامعات الفرنسية ولا علاقة له بتاتا بالثقافة الإسلامية ولا بإدارة شؤون المسلمين، لا من قريب ولا من بعيد،  بل أهبطته من السماء جهات قنصلية، ليتولى شؤون المسلمين.

ويُقال أنه مدعوم من طرف وزارة الحُبُس المغربية للتأثير في إسلام فرنسا وإرجاح كفته لصالح المغرب بدلا من الجزائر.

وقد التقيت بالعديد من أمثال هذا الرجل من أساتذة ومثقفين مغاربة يعملون بتفانٍ على مستوى الجمعيات والمنظمات الإسلامية في شتى مناطق فرنسا للميل بكفة الإسلام الفرنسي لصالح المغرب ، ويحصل هؤلاء على دعم لا محدود من قنصليات المغرب في مختلف الأقاليم الفرنسية. وكنت تعرفت على واحد منهم في مدينة رين Rennes ورأيت أنه قام ببناء مسجد كبير وصلتْ قيمة بنائه إلى ما يقرب المليون يورو كلها مدفوعة من طرف قنصلية المغرب في مدينة Rennes. وقد أَسس بناءُ هذا المسجد،  أعني مسجد رينRennes  ، لمرحلة خطيرة من الخلافات والتجاذبات بين مسلمي مدينة رين  Rennes على اختلاف جنسياتهم؛ حيث لم يوافق الكثير منهم على تدخل المغرب في بناء مسجد تابع لكل المسلمين في المنطقة؛ وقد حدثت تشاجرات كبيرة بين طوائف المسلمين المؤيدة للمغرب والمعارضة له، ووصلت القضية للعدالة.

إلا أن النفوذ الكبير لهذا الرجل ولقنصلية بلده جعل المسجد يُبنى في النهاية تحت أعين القنصلية المغربية رغم امتعاض غالبية المسلمين من التدخل المغربي.

ولا شك أن بناء المسجد بحد ذاته أمر مندوب إليه ومحمود، لكن المذموم أن يكون هذا البناء مصدر شقاق وفرقة بين طوائف المسلمين، فاتحادُ الكلمة والحفاظُ على أواصر الأخوة والتضامن أولى من بناء المساجد المسيَّسة التي تخدم السلاطين وتسيطر على ضمائر الناس وإيمانهم.

وما إن اكتمل بناء المسجد المذكور حتى اقترحت القنصلية المغربية إماما قادما من المغرب ، وتم تعيينه على المسجد، وهو الآن يخطب كل جمعة ، رغم أنه لا ينطق بكلمة واحدة من اللغة الفرنسية.

وهذا النوع من التدخل في شؤون مسلمي فرنسا يعتبر شائعا في مناطق فرنسا كلها، و يجسد مثالا واضحا للتوغل الأجنبي في الإسلام الفرنسي كما يمثل عائقا حقيقيا أمام بناء إسلام موحَّد متوافق مع السياق الفرنسي ويتماشى مع رغبات المسلمين المقيمين في هذه البلاد.

أما الرئيس الثالث والأخير حتى – هذه اللحظة – للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية فهو مغربي آخر يُدعى “أنور كبيباش” من مواليد سنة 1961 في مكناس بالمغرب،  وهو فني متخصص في المعلوماتية ولا علاقة له هو الآخر بالثقافة الدينية بتاتا ولا بتسيير شؤون الإسلام ، وقد كان مديرا في شركة اتصالات  يملكها صديق له يدعى باتريك دراهي  Patrick DRAHI وهو رجل أعمال يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية و يملك قناة إسرائيلية تبث من فرنسا تدعى i24News.

ولعل هذا يعطي مؤشرا واضحا على توغل اللوبيات المالية -الصهيونية في تسيير دين الإسلام في فرنسا؛ إذْ ما المغزى في احتلال رجل متخصص في المعلوماتية لأعلى منصب ديني في مؤسسة دينية تقوم على السهر على بيوت الله، وعلى مراقبة الأهلة و أوقات الصلاة ، واللحوم الحلال ؟

وقد هبط أنور كبيبش على مجلس CFCM لأول مرة في سنة 2013 حيث عُيّن نائبا لرئيس المجلس، كمرحلة تمهيدية لجعله على رئاسة المجلس، و لئلا يثير الضجة عندما يتسلق على كرسي الرئاسة.

ولرئيس مجلس CFCM  أنور كبيباش تاريخ مثير للجدل، فقد تعلم في صباه في مدرسة كاثوليكية[1] في المغرب وهو علماني بامتياز. ويقول عن نفسه أن تردده على مدرسة نصرانية ” لم يمنعه من أن يكون مسلما طيبا[2]

وفي مدينة أفري كوركورون Evry Courcouronne  في ضاحية باريس، ربطته علاقات صداقة برئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ” مانويل فالز” أيام كان عمدة لتلك المدينة. و” مانويل فالز ” هذا هو رئيس وزراء فرنسا السابق، وهو الذي قال ذات مرة عن نفسه ، أنه ” مرتبط أزليا بإسرائيل”[3].

ويُشتهر عن “أنور كبيبش” قوله أنه لا يشجع على ” بناء مساجد ذات مساحات كبيرة[4]” وإنما يجب الإكتفاء  -حسب تصريحاته – بقاعات صغيرة للصلاة. ولعل في ذلك استيراتيجية سياسية ماكرة ؛ لكون كبر المساحة في المساجد يُعتبر أحد الشروط اللازمة لقبول تصويت الجمعيات في انتخابات مجلس CFCM ؛ و عندما تقل مساحة مسجد ما عن قدر محدد ، فإن القانون المنظم لانتخابات مجلس CFCM لا يسمح لأعضاء جمعية هذا المسجد بالتصويت لانتخاب رئيس المجلس . وبما أن غالبية المساجد في فرنسا هي ذات مساحة صغيرة – ويراد لها أن تكون كذلك –  فإن الجمعيات المسيرة لها لا يمكنها المشاركة في انتخاب رئيس مجلس الـCFCM،  حينها يقتصر التصويت حصرا على جمعيات محدودة جدا هي من تملك المساجد ذات المساحات الكبرى ، التي تولت بناءها دول أجنبية ولوبيات مالية متنفذة … وهكذا – وبكل مكر وذكاء –  يُقصَى من التصويت أصحاب الجمعيات الإسلامية التي لا تملك إلا مساجد ذات مساحات صغيرة، وهي الجمعيات التي ينتمي لها غالبية المسلمين… فتكون النتيجة النهائية تركيز حق التصويت في يد الجمعيات المتنفذة ذات القدرات المالية الكبيرة. حينها تتركز سلطة الـCFCM ورئاسته في يد هذه الجمعيات المحدودة المتنفذة، فتنتخب الرؤساء وتتناوبهم كما تشاء، وفقا لأجندة القنصليات الأجنبية والسفارات واللوبيات المالية ، وأصحاب الأعمال يهود وعلمانيين متمسلمين …

هذا، ويتميز كل الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بقاسم مشترك لافت للنظر ، فهم جميعا وبدون أي استثناء منتمون للتيار العلماني الليبرالي المتحرر من قيود الدين… ولعل هذا ما جعل البعض يقارن بين طريقة الحكم في هذا المجلس وطريقته عندنا في البلدان العربية والإسلامية؛ حيث يكون الرؤساء في بلداننا دائما من رؤوس التيار العلماني النابذ للدين.

ثم إن رؤساء المجلس المذكور لم تُعرف لهم في يوم من الأيام  أي صلة واقعية  بالإسلام ولا بالمسلمين بل هم من طبقة مختلفة تماما عن طبقات عوام المسلمين هنا، وكلهم لا يمتلك أي رصيد ثقافي إسلامي جدّي، ولم يُعرف عنه تردده على المساجد ولا على صلاة الجماعة؛ فهم كلهم – كما رأينا –  قادمون من آفاق وتخصصات بعيدة كل البعد عن الإسلام وعن الإهتمام بالشؤون العامة للمسلمين. ولا يخفى أن للحكومة الفرنسية مصلحة في ذلك، فهي لا تريد بتاتا أن يكون مخاطبها الرسمي متحمسا للدين ، أو متمسكا بتعالميه، بل تريده علمانيا متحررا من كل قيود الأخلاق الدينية والتعاليم السماوية. ولهذا اختارت وضغطت من أجل أن يكون أمثال هؤلاء الإنتهازيين هم من يتولى رئاسة المجلس. ولهذا السبب بالذات فإن مجلس CFCM وكافة مديريه كلهم منبوذون من طرف غالبية المسلمين في هذه البلاد، كونهم فرضوا فرضا على المسلمين. ولا يرى المسلمون  أنفسهم معنيين إطلاقا بهذا المجلس و لا يشعرون بأي تمثيل لهم منه.

ويزعم مجلس CFCM أن منصب الرئاسة فيه يُتداول بطريقة ديموقراطية ، لكن الظاهر أنه لم يتداول عليه – حتى الآن –  إلا ثلاث رؤساء من بلدين مسلمين فقط ، هما الجزائر والمغرب، في حين أن الأتراك والأفارقة والمسلمون من أصل فرنسي، لم يترأس أي واحد منهم على المجلس، مما يقلل من مصداقية المجلس ومن نزاهته و جديته في تمثيل كافة أطياف المسلمين على التراب الفرنسي.

 

هوامش

[1]  وكالة فرانس برس AFP، مقال لكاتبه بنوا فوشي  Benoît FAUCHET، بتاريخ 24/06/2015

[2]  نفس المصدر السابق

[3]  هنا تبرز مظاهر التوغل الصهوني- المالي- اليهودي في تسيير إسلام فرنسا.

[4]  مقال لكاتبه بنوا فوشي  Benoît FAUCHET ، نفس المصدر السابق

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *