قانون حظر الحجاب حلقة 2

لجنة ستازي للتحضير للقانون

 

ومن أجل وضع حد لانتشار ظاهرة الحجاب لدى البنات في المدارس العمومية ، شكّل الرئيس الفرنسي آنذاك “جاك شيراك” لجنة تسمى لجنة ستازي   COMMISSION STASI   نسبة إلى رئيس اللجنة وهو مفكر يهودي  اسمه برنارد ستازي.  كتب هذا الأخير تقريرا سلمه للرئيس الفرنسي جاك شيراك بتاريخ 11/12/2003 . احتوى التقرير على عدد كبير من الاقتراحات المتعلقة بسبل تطبيق العلمانية وفرض احترامها على الناس وكان من أبرز هذه الاقتراحات الاقتراح الخاص بتحريم  لبس أي زي ديني في المدارس. وكان هذا الاقتراح يستهدف المسلمات اللواتي يلبسن الحجاب أو الثياب المحتشمة حتى ولو لم تكن تغطي الرأس.

وكان من بين العناصر المقدمة في التقرير ، الإقتراحات التالية :

  • فرض احترام العلمانية على مستوى المدارس العمومية ( وهنا نفهم أن الكلام موجه إلى البنات اللواتي يلبسن الحجاب الاسلامي )

 

  • عدم التسامح تجاه الطلاب الذين يمتنعون عن الحضور لدروس علم الأحياء المتعلقة بالتطور الدارويني ( وهنا أيضا نفهم أن الخطاب موجه للطلاب المسلمين لأن الاسلام يعلِّم متبعيه أن التطور – بالمفهوم الدارويني الشائع – لا يوجد في الكون وأن هناك خالقا واحدا هو الله سبحانه، الذي قال ( الذي أحسن كل شيء خلَقه وبدأ خلْق الإنسانِ من طين[1])

في نفس الشهر ، أي دجمبر 2003 ، أصدر  الرئيس الفرنسي جاك شيراك أوامره بتحرير مشروع قانون يحظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس العمومية. وكان هدف شيراك أن يبدأ القانون في المفعول ابتداء من افتتاح السنة الدراسية الموالية ، أي سبتمبر 2004.

 

آراء المثقفين حول منع ارتداء الحجاب  في فرنسا

 

يعتقد المتحمسون لهذا القانون أن حيادية التلميذ في قاعة الدروس هي شرط أساسي من أجل سيرورة الدرس بشكل طبيعي ومن أجل الحد من المجابهات التي تقع بين التلاميذ في المدارس بسبب اختلاف أديانهم . كما يظنون أن هذا القانون لا يمنع أحدا من ممارسة دينه، والتعبيرِ عن اعتقاده بشكل خفي (كارتداء صليب صغير على الصدر مثلا). أما الإعلان الصريح عن العقيدة من خلال لبس زي مثل الحجاب الإسلامي فهو عندهم غير مقبول. ولا ريب أن تحليل هؤلاء هو تحليل اختزالي وسطحي وساذج وتمييزي. فبأي حق يُسمح لفتاة نصرانية أن تضع صليبا صغيرا على ترائبها؛ بذريعة أنه رمز خفي لا يُرى إلا نادرا،  في حين يُحظر على المسلمة لبس حجابها بسبب أنه شديد الظهور Ostentatoire. إن إشكالية التمييز هنا واضحة للعيان. واستهداف المسلمات بهذا القانون أوضح.

وثمت حجة أخرى أكثر سذاجة وسخافة، يقول أصحابها أن البنات اللواتي يلبس الحجاب إنما هن مجبرات على ارتدائه من طرف آبائهن أو إخواهن، وأنهن لا خيار ولا حرية لهن منه ، وأن القانون الجديد  – حسب زعم هذا التيار – سيحررهن لا شك من وطأة الأقارب. بل يذهب المتشددون من العلمانيين في أطروحاتهم أن الدين الإسلامي هو مصدر فرض الحجاب على المرأة، وبالتالي فهو – حسب رأيهم- دين يعادي حرية المرأة ويضطهدها … وأن الحجاب – زعموا-  ما هو إلا رمز لخضوع المرأة المسلمة للرجل وتبعيتها له؛ وعليه فلا بد من حظره بالقانون بشكل شامل وجذري.

أما الفريق الآخر المعارض لسن هذا القانون، فيعتبر أن قانون حظر الرموز الدينية في المدارس العمومية يفسِّر مبدأ انفصال الكنيسة عن الدين تفسيرا خاطئا ، وأنه – أي القانون – يخلط بين العلمانية (التي تسمح بممارسة الدين والتعبير عنه في الفضاء العام) وبين فرض الحيادية (التي من شأنها التضييق على حرية العبادة التي هي الأخرى حق أساسي لكل إنسان) ، ويعتمد هذا الفريق على فتوى مجلس الدولة  Conseil d’Etat ، وهو أعلى مؤسسة قانونية في فرنسا، حيث يقول هذا المجلس في فتوى طلبتها منه الدولة الفرنسية سنة 1989م[2] تتضمن سؤالا عن ما إذا كان لبس الرموز الدينية يعتبر ملائما مع مبادئ العلمانية، فأجاب المجلس في فتواه بأن لا حرج في لبس الرموز الدينية  وأنها – أي الأزياء المتدينة –  لا تخرق مبدأ العلمانية في شيء. ويقول المجلس في إحدى فقرات الفتوى ، فيما يتعلق بطرد الطالبات المتحجبات، أن طردهن من المدرسة ( لا يمكن تبريره إلا من خلال تهديدٍ للنظام في المؤسسة التعليمية أو من خلال عرقلة السير الطبيعي لعملية التعليم[3]) ، والكل يعلم أن الحجاب الإسلامي لم يتسبب في أي شئ من هذه.

ولا شك أن رأي المعارضين أكثر علمية ونزاهة وقانونية وأبعد عن الأهواء والأغراض الشخصية التي طبعت أفكار وبراهين مناصري هذا القانون.

وبالجملة،  فإن قانون حظر الرموز الدينية هو غير دستوي أصلا ، و يشكّل فشلا ذريعا في تطبيق مبدأ العلمانية ، ونقصا أخلاقيا حادا لدى معتنقي العلمانية والمدافعين عنها في الساحة الفرنسية، كما يجسد تقييدا سافرا لحرية التدين لدى الناس.

و قد مهّد هذا القانون لعصر جديد من الإضطهاد والتمييز والإقصاء تجاه المرأة المسلمة في بلد طالما تشدّقَ بحقوق الإنسان والطفل. كما جسّدَ خرقا سافرا للقوانين والمواثيق الدولية  التي وقعت عليها فرنسا، وخاصة المادة رقم 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أن لكل إنسان الحق في التفكير والإيمان بما يشاء وإظهار إيمانه علنا أمام الناس دون خوف أو رقابة.

[1]  الآية 6، من سورة السجدة

[2]  أيام موجة طرد الطالبات المتحجبات من المدارس بحجة خرق مبدإ العلمانية …

[3]  فتوى مجلس الدولة Conseil d’Etat بتاريخ 27 نوفمبر 1989، فتوى مسجلة تحت رقم 346.893

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *